وإذا تأمّلنا قليلا وجدنا أنّ الوجود قاسم مشترك بين وجود الإنسان ووجود الفرس ، فكلاهما وجود إلاّ أنّ هذا الوجود يمتاز عن ذاك بأنّ هذا وجود للإنسان وذاك وجود للفرس.
إذن الفرسية والإنسانية هما الحدّ الذي يتميز به هذا الوجود عن ذاك. ومثل هذا الحد المائز يسمّى بالماهية ، فالماهية إذن هي حدّ الوجود.
٢ ـ إنّ كل وجود لا بدّ وأن يكون متميزا ومشخّصا وليس فيه تردد ، فالكلي حيث لا تشخص له ليس موجودا في الخارج وإنّما الموجود أفراده. ومن هنا قيل الشيء ما لم يتشخّص لا يوجد.
٣ ـ انّ الشيء متى ما وجد فلا بدّ وأن يكون متشخّصا ، ولازم تشخّصه وتعيّنه تشخّص ماهيّته وتعيّنها إذ ماهيّته حدّ لوجوده ، وكيف يعقل أنّ يكون المحدود وهو الوجود معيّنا ومشخّصا وحدّه مردّدا وغير مشخّص!! انّه غير ممكن إذ لازم تردّد الحدّ وعدم تعيّنه تردّد نفس الوجود المحدود ، وحيث انّ الوجود قد فرضناه محدّدا ومعيّنا فيلزم تعيّن ماهيّته.
٤ ـ انّ العلم بنزول المطر مثلا بم يتعلّق؟ فهل يتعلّق بالوجود الخارجي أو بالصورة الذهنية لنزول المطر؟ الصحيح هو الثاني ، وذلك لعدّة منبّهات نذكر منها (١) : ـ
أ ـ انّ العلم أمر ذهني قائم بالذهن ، ومعه فكيف يتعلّق بالأمر الخارجي!! إنّ لازمه تحقّق ما في الذهن في الخارج أو تحقّق ما في الخارج في الذهن. إذن لا بدّ من تعلّق العلم بالصورة الذهنية كي لا يلزم ما ذكر.
__________________
(١) تقدّمت الإشارة إلى هذا البحث في الجزء الأوّل من هذا الشرح ص ١٠٥