والجواب عن هذا الاعتراض : انّ احتمال العقوبة لا ينشأ فقط من احتمال التكليف الواقعي بل ينشأ أيضا من احتمال الحجّية المشكوكة فإنّ احتمال الحجّية المشكوكة يرجع إلى احتمال إبراز المولى اهتمامه بالتكليف الواقعي ، ومن الواضح انّ احتمال اهتمام المولى بالتكليف اهتماما مبرزا احتمال صالح للتنجيز واستحقاق العقوبة عليه ، وعليه فليس الاحتمال الموجب لاحتمال العقوبة هو خصوص الاحتمال الأوّل بل الاحتمال الثاني صالح لذلك أيضا ، ومن هنا نجد بالوجدان أنّه يصحّ للمولى التصريح بمنجزية الاحتمال الأوّل دون الاحتمال الثاني بأن يقول هكذا : إذا احتملت التكليف الواقعى من دون احتمال قيام الحجّة عليه فلا يلزمك الاحتياط من أجله وإذا احتملت قيام الحجّة عليه فيلزمك الاحتياط ، إنّ هذا أمر معقول ، ومعقوليّته تدلّ على أنّ الاحتمال الثاني صالح للمنجزية أيضا وبالتالي لا بدّ من إجراء براءة ثانية لنفيه من دون لزوم محذور اللغوية.
هذا ولكن الصحيح بالرغم من كل ما ذكرناه الاكتفاء بإجراء البراءة الاولى بلا حاجة إلى إجراء الثانية.
ولتوضيح ذلك نذكر البيان التالي المركب من خمس نقاط : ـ
١ ـ انّ البراءة الاولى حكم ظاهري ، وهكذا الحجّية المشكوكة (١) ، حكم ظاهري. وهذان الحكمان الظاهريان عرضيان ـ أي أنّ موضوعهما واحد فموضع البراءة الاولى هو الشكّ في الحكم الواقعي وموضوع الحجّية المشكوكة هو الشكّ في الحكم الواقعي أيضا فإنّه عند الشكّ في الحكم الواقعي يجعل الشارع خبر الثقة
__________________
(١) عبّرنا بالحجّية المشكوكة ولم نعبّر بالبراءة عن الحجّية المشكوكة فلا بدّ وأن لا يغفل عن ذلك