عنه والاحتياط في وقت واحد لأنّ ثبوت البراءة يكشف عن عدم اهتمام المولى بالمفسدة المحتملة بينما ثبوت الاحتياط يكشف عن اهتمامه بالمفسدة المحتملة فيلزم اجتماع المتنافيين ـ ولا يعمّ الأحكام الظاهرية الطولية ، أي التي يكون الموضوع فيها مختلفا ، وهذا كما هو الحال في مقامنا فإن البراءة الثانية موضوعها الشكّ في الحجّية بينما الحجّية المشكوكة موضوعها الشكّ في الحرمة الواقعية.
وبكلمة اخرى : يوجد في مقامنا شكّان ، وهما الشكّ في الحجّية والشكّ في الحرمة الواقعية ، والشكّ الأوّل ثبت له حكم ظاهري وهو البراءة الثانية والشكّ الثاني ثبت له حكم ظاهري آخر وهو الحجّية المشكوكة ، وليس هناك شكّ واحد ثبت له حكمان ظاهريان ليلزم المحذور.
هذا وقد يعترض على إجراء براءة ثانية بأنّها لغو ؛ إذ عند إجرائها نسأل عن البراءة الاولى هل تجرى أيضا أو لا؟ فإنّ اجريت البراءة الاولى ـ أي البراءة عن الحكم الواقعي ـ كان اجراؤها كافيا ومغنيا عن إجراء البراءة الثانية ؛ إذ بإجراء البراءة الاولى نصبح في أمان من احتمال العقاب فإنّ احتمال العقاب يتولّد من احتمال التكليف الواقعي ، فإذا نفيناه ـ احتمال التكليف الواقعي ـ بالبراءة ينتفي احتمال العقاب بالتبع ويصير إجراء البراءة الثانية لغوا. هذا لو اجريت البراءة الاولى قبل إجراء البراءة الثانية.
وأمّا إذا لم تجر الاولى قبل الثانية فلا يكون إجراء الثانية نافعا ؛ إذ بإجراء الثانية لا ينتفي احتمال التكليف الواقعي بل يبقى ثابتا ومع بقاءه نصير بحاجة إلى إجراء الاولى لنفيه ومع إجراء الاولى نكون في غنى من إجراء الثانية على ما تقدّم.