ليس بمهم ولا تنظر له القاعدة فإنّ التكليف الإنشائي حتّى إذا كان معلوما لا تترتّب على مخالفته العقوبة ولا يختص قبح العقوبة عليه بحالة الجهل به بل يعمّ حالة العلم أيضا ، وهذا بخلافه في التكليف الحقيقي فإنّه الذي يمكن أن يقال إنّ العقوبة عليه قبيحة عند الجهل به دون العلم.
وإذا كانت قاعدة قبح العقاب ناظرة إلى التكليف الحقيقي فلنا أن نقول في البرهنة على القاعدة إنّ التكليف الحقيقي كما أنّه يختص بالقادر على الامتثال ولا يعمّ العاجز ـ إذ العاجز لا يمكنه التحرّك حتّى ينشأ المولى في حقّه تكليفا بداعي التحريك ـ كذلك هو يختص بالعالم دون الجاهل فإنّ العالم بالتكليف هو الذي يمكنه التحرك نحو امتثال التكليف دون الجاهل ؛ إذ التحرك نحو امتثال التكليف فرع العلم بالتكليف.
وباتّضاح اختصاص التكليف الحقيقي بالعالم يتّضح أنّه من دون البيان ـ أي من دون العلم ـ لا ثبوت للتكليف الحقيقي كي يعاقب عليه المكلّف ، فقبح العقاب قبل البيان ليس إلاّ من جهة السالبة بانتفاء الموضوع ، أي من جهة أنّه لا تكليف ليعاقب عليه لا أنّه ثابت والعقل يحكم بقبح العقوبة عليه.
وبهذا نعرف أنّ الشيخ الأصفهاني أعطى معنى جديدا لقاعدة قبح العقاب أعمق من المعنى الذي كنّا نفهمه سابقا ، فقد كنّا سابقا نفهم من القاعدة المذكورة أنّ التكليف قبل علم المكلّف به ثابت في حقّه ولكنّه يقبح العقاب عليه من جهة عدم العلم به بينما المعنى الجديد الذي يتقدّم به الأصفهاني هو أنّ المكلّف ما دام لا يعلم بالتكليف فلا ثبوت للتكليف الحقيقي في حقّه حتّى يعاقب عليه.