هو هذا الأخير ، بل هو بالحقيقة راجع إلى الثاني ، حيث انّ الداعي على الأفعال الصادرة عن شعور سواء كانت بدواعي عقلية كما في الفعل الصادر عن الانسان عن رويّة وفكر ، أو حسية كما في الفعل الصادر عنه بغير رويّة من العقل بل عن مطلق الحيوان ؛ لا بدّ أن يرجع إلى الملائمات والمنافرات بالنسبة إلى الفاعل بنفسه ، وبعبارة اخرى : إلى الاعراض النفسانية ، فالتحسين والتقبيح العقليين بناء على كونهما ملاكا للعقل انما هما للفرح وللاشمئزاز الحاصلين للعقل.
وإذا عرفت ذلك فاعلم : انّ مسألة الضرر وكونه مناطا لحكم العقل بوجوب الدفع ليست مبتنية على التقبيح العقلي لو لا العكس كما عرفت ، وإذا كان كذلك فكيف يحكم العاقل بكون الاشمئزاز الحاصل من تقبيح العقلاء بناء عليه مناطا لحكم العقل بوجوب الدفع دون الضرر الاخروي وهو الدخول في النار في المقام ، وهل هذا الاّ خلاف بداهة العقل؟ بل الضرورة والوجدان شاهدان بكون الاحتراز عن الضرر فطريا للانسان بل الحيوانات أيضا ، غاية الأمر يكون من منافرات القوة العاقلة تارة ولسائر القوى اخرى فيه وبخصوص سائر القوى فيها ؛ وعلى أي حال فالاحتراز فيه ـ مقطوعا كان أو مظنونا بل موهوما ـ مودع في الطبائع ولو لم نقل بالتقبيح العقلي ؛ ولا فرق في الضرر في لزوم الاحتراز عنه عقلا بين كونه اخرويا أو دنيويا.
والأولى الجواب عن هذا الاستدلال :
بأنّ المراد من الضرر لو كان هو العقاب فالصغرى ممنوعة ، لاستقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان ، لعدم كون الظن بمجرده ـ بلا انضمام علم اجمالي ونحوه إليه كما هو محل الكلام ـ بيانا عند العقل. نعم بناء على قول البعض من كون الظن كالعلم موجبا لتنجّز التكليف أو احتماله فيكون العقاب محتملا فيجب دفعه عقلا ولا تجري القاعدة المذكورة حينئذ لكونها مع القطع بعدم العقاب ، وبمجرد الاحتمال