والجواب في كليهما : انّ الاشكال يجري بناء على كون المدار في موضوع الاستصحاب هو النظر الدقيق والموضوع العقلي ؛ وامّا بناء على كون المدار فيه هو الموضوع العرفي المسامحي كما سيجيء ان شاء الله فيرتفع الاشكال عن كليهما.
فان قلت : انّ الرجوع إلى العرف في موضوع الاستصحاب إنّما هو فيما إذا كان الدليل مجملا بالنسبة إلى الموضوع مع كون عنوانه عرفيا عامّا بالنسبة إلى حال الشك وكان الملاك خارجا عن الموضوع محتمل الأخصية بالنسبة إليه كما في الدليل النقلي الدال على حرمة العنب على تقدير الغليان ، فلو شك في اختصاص الحكم له في حال الحموضة مثلا دون الحلاوة من جهة الشك في اختصاص المناط غير الداخل في الدليل بتلك الحال فيستصحب بقاؤه لبقاء موضوع الدليل عرفا وهو العنب ؛ وهذا بخلاف الدليل العقلي فانّه لمّا كان المناط معلوما مبيّنا بحيث لا اجمال فيه ولا اهمال فيكون الموضوع مقيدا ومتشخصا به ومحكوما عليه بحدّ ذاك الملاك لا أعم منه ، فإذا كان معلوما بجميع ما له دخل فيه فلم يكن مهملا كي يرجع في تعيينه إلى العرف بل يرجع إلى نفس العقل وهو مع عدم اختلاف قيد منه لا يشك ومعه لا يشك في تبدل الموضوع فلا يشك في الحكم أصلا وعلى تقدير الشك فيه يكون شكا في حدوثه في موضوع حادث.
قلت : ما ذكرت من عدم الاهمال في حكم العقل واجماله ولا في موضوع حكمه فهو مسلّم ، إلاّ أنّه لا يجدي في عدم جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف منه.
بيان ذلك : انّ في مورد حكمه أربعة أشياء :
أحدها : حكم العقل بالحسن والقبح.
وثانيها : موضوع ذاك الحكم.
وثالثها : الحكم الشرعي المستكشف.