وكون الثالث تفصيلا لها (١) ، ومسألتا الذمّيّ والغائب متغايرتان حقيقة وحكما ، ولا يخطر بالبال قدر مشترك بينهما ، واعتباره تفصيلا (٢) ، وجعله مسألة واحدة تعسّف.
هذا ، ولقائل أن يقول : ما ذهب إليه الحاجبي إحداث المذهب الثالث ؛ لأنّ الامّة اختلفوا على قولين : جواز إحداث المذهب الثالث مطلقا ، ومنعه مطلقا ، فالقول بجوازه في البعض والمنع في البعض إحداث مذهب ثالث ، فتأمّل.
هذا ، واحتجّ المجوّز مطلقا بوجوه ضعيفة (٣) أعرضنا عن ذكرها ؛ لظهور فسادها ، فثبت أنّ الحقّ على اصول العامّة أيضا عدم القول بالفصل ، كما ذهب إليه أكثرهم.
والفروع له كثيرة وقد تقدّم بعضها (٤).
ومنها : اجتماع الجدّ مع الأخ. قيل : يرث المال كلّه ويحجب الأخ (٥). وقيل : يقاسم الأخ (٦). فالقول بحرمانه (٧) قول ثالث (٨).
ومنها : اشتراط النيّة في الطهارات ، قيل به في كلّها (٩). وقيل به في بعضها (١٠). والقول بعدمه في الكلّ قول ثالث (١١).
وهذان الفرعان ممّا فرّعهما عليه العامّة (١٢).
ومنها : انفعال الماء القليل بالنجاسة ، فقيل بانفعاله من جميع النجاسات (١٣). وقيل بعدم انفعاله من شيء منها (١٤). فالقول بانفعاله من البعض دون البعض قول ثالث. وهذا ممّا فرّع عليه أصحابنا.
__________________
(١) في « أ » : « نقيضا » والصحيح ما أثبتناه.
(٢) قاله ابن الحاجب في منتهى الوصول : ٦١.
(٣) راجع الإحكام في أصول الأحكام ١ : ٣٣٣ و ٣٣٤.
(٤) تقدّم في ص ٣٦٨ و ٣٦٩.
(٥ و ٦) راجع : بداية المجتهد ٢ : ٣٧٧ ، والمغني لابن قدامة ٧ : ٦٤.
(٧) أي الجدّ.
(٨) راجع : بداية المجتهد ٢ : ٣٧٧ ، والمغني لابن قدامة ٧ : ٦٤.
(٩ ـ ١١) راجع : الخلاف ١ : ٧١ و ٧٢ ، المسألة ١٨ ، وبداية المجتهد ١ : ٨ و ٩.
(١٢) راجع : المحصول ٤ : ١٢٨ ، والإحكام في أصول الأحكام ١ : ٣٣٣ ، ونهاية السؤل ٣ : ٢٧٠.
(١٣) مختلف الشيعة ١ : ١٣ ، المسألة ١ ، والخلاف ١ : ١٩٤ ، المسألة ١٤٩.
(١٤) حكاه العلاّمة عن ابن أبي عقيل في مختلف الشيعة ١ : ١٣ ، المسألة ١.