ولمّا كان مستند الظاهر العرف أو العرف أو العادة أو القرائن أو الأغلبيّة والأكثريّة ، وبالجملة ما يفيد ظنّا معتبرا في الشرع ، وهو يختلف في الموارد قلّة وكثرة وضعفا وشدّة ، فاختلف (١) الموارد في ترجيح أحدهما ، فإن بلغ الظنّ الحاصل من الظاهر بحيث يقاوم الأصل ويغلبه فيؤخذ به ويترك الأصل ، وإلاّ فيعكس ، وإن تكافئا في النظر يتوقّف حتّى يعثر على مرجّح من خارج.
ولمّا كان دخول بعض الموارد في الأوّل ودخول بعض آخر منها في الثاني ظاهرا ، بحيث لا يشتبه على أحد ، أجمع الأصحاب في الأوّل على تقديم الظاهر على الأصل ، وفي الثاني على العكس (٢).
وفي بعض آخر منها لمّا لم يكن الدخول في أحدهما معلوما ، إمّا لكونه من الثالث ، أو لعدم بلوغ الظهور حدّا لا يشتبه على أحد ، فاختلف فيه. فهنا ثلاثة موارد :
الأوّل : كالشكّ في فعل من أفعال إحدى العبادات بعد الفراغ عنها ، أو في أداء الصلاة بعد خروج وقتها ، ونجاسة البلل الخارج بعد البول إذا لم يستبرأ ، والمسلم الذي غاب بعد نجاسة بقدر مضيّ زمان يمكنه فيه الطهارة ، وغير ذلك ممّا حرّر في تصانيف الفقه (٣).
وقد يعلم تقديم الظاهر على الأصل شرعا ، بحيث يصير حجّة شرعيّة ، كتقديم البيّنة على أصل براءة الذمّة ، ومنه الرواية والأخبار فيما يقبل فيه.
الثاني : كدعوى من هو في غاية العدالة على من يعرف بالظلم والتقلّب ، ومنه ثياب من لا يتوقّى النجاسة من مدمني الخمر والكفّار والقصّابين والأطفال. وقس عليهما أمثالهما.
الثالث : كغسالة الحمّام وطين الطريق. ورجّح الأكثر الظاهر في الأوّل (٤) ، والأصل في الثاني (٥).
__________________
(١) جواب لقوله : « ولمّا كان ».
(٢) راجع : تهذيب الوصول : ٢٧٨ ، ومبادئ الوصول : ٢٣٢ ، والقواعد والفوائد ١ : ١٣٧ ـ ١٣٨ ، القاعدة ٣ ، وتمهيد القواعد : ٣٠٠ ـ ٣٠٤ ، القاعدة ٩٩.
(٣) راجع : القواعد والفوائد ١ : ١٣٧ ، القاعدة ٣ ، وتمهيد القواعد : ٣٠٣ ، القاعدة ٩٩.
(٤) راجع : القواعد والفوائد ١ : ١٣٧ ، القاعدة ٣ ، وتمهيد القواعد : ٣٠٣ ، القاعدة ٩٩.
(٥) منهم : الشهيد في القواعد والفوائد ١ : ١٣٨ ، القاعدة ٣ ، والشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٣٠٣ ، القاعدة ٩٩.