وإن أخذ متعلّق الحكم الفعل ، فلا بدّ في تركه إلى الجواب بأحد الوجوه ؛ لأنّه أمر عدمي غير مقدور عليه ، وفي إيجاده لا يحتاج إليه ، غاية ما في الباب أنّ إضافة الفعل والإيجاد وأمثالهما إلى الترك ، وإطلاق ترك الترك على الفعل تجوّز ، وأمّا في ورود الإيراد المذكور. فلا فرق في الواقع بين أن يكون متعلّق الحكم الفعل أو الترك.
ثمّ إن اعتبر كون [ متعلّق ](١) الحكم فعلا ـ على ما فعله القوم ـ لا يكون نقيض كلّ واجب حراما وبالعكس ، ولا يكون نقيض كلّ مستحبّ مكروها وبالعكس ؛ لأنّ كلّ واحد منها أمر وجوديّ ونقيضه عدميّ ، فلا يدخل في الأحكام ، وإن لم يعتبر ذلك ، بل عمّم [ متعلّق ](٢) الحكم بحيث يشمل الفعل والترك ، يلزم أن يكون نقيض كلّ واجب حراما وبالعكس ، ونقيض كلّ مستحبّ مكروها وبالعكس ، كما يظهر من تعريفاتها بعد عدم اعتبار (٣) كونها امورا وجوديّة.
وكلام القوم في هذا المقام غير منقّح ؛ فإنّهم ذكروا أنّ كلّ فعل كان مستحبّا لا يكون تركه مكروها ، بل قد يكون وقد لا يكون. مثلا قالوا : الرداء مستحبّ لغير الإمام من المصلّين وتركه ليس مكروها له ، ويستحبّ للإمام وتركه مكروه له ، مع أنّه إن اعتبر كون [ متعلّق ] الحكم فعلا وجوديا يجب أن لا يكون ترك حكم حكما (٤) مطلقا ، وإن لم يعتبر ذلك ، بل كان شاملا للترك أيضا ـ وإن كان بأحد التوجيهات المذكورة ـ يلزم أن يكون ترك كلّ واجب حراما وبالعكس ، وترك كلّ مستحبّ مكروها وبالعكس ، كما يظهر من حدودها بعد حذف قيد الفعليّة.
هذا ، مع أنّه قيل : المكروه مشترك بين ثلاثة معان : الحرام ، والمنهيّ بنهي تنزيه ـ وهو ما كان تركه خيرا من فعله وإن لم يكن فيه عقاب ـ وترك الأولى كترك النافلة. وهذا الترك لا يسمّى مكروها لكونه منهيّا عنه ، بل لكثرة الثواب في فعله (٥).
__________________
(١ و ٢) أضيفت بمقتضى الضرورة.
(٣) لم يرد في « ب » : « اعتبار ».
(٤) أي ترك متعلّق حكم متعلّقا لحكم مطلقا.
(٥) قاله الفخر الرازي في المحصول ١ : ١٠٤.