وقد كانت تجري في مجلسه ـ آنسه الله تعالى (١) ـ نكت من أقاويل أئمة الأدب في أسرار اللغة وجوامعها ، ولطائفها وخصائصها ، من (٢) لم يتنبهوا لجمع شَمْلِه ، ولم يتوصَّلوا إلى نَظْمِ عِقْدِهِ ، وإنما اتَّجَهتْ لهم في أثناء التأليفات ، وتضاعيف التصنيفات ، لُمَعٌ يسيرة كالتوقيعات (٣) ، وفِقَرٌ خفيفة كالإِشارات ، فيلوح لي ـ أدام الله دولته ـ بالبحث عن أمثالها ، وتحصيل أخواتها ، وتذييل ما يتصل بها ، وينخرِطُ في سلكها ، وكَسْرِ كتابٍ (٤) جامع عليها وإعطائها من النَّيْقَةِ (٥) حَقَّها. وأنا ألوذُ بِأكنافِ المُحَاجَزَة ، وأَحُومُ حول المدافعة ، وأَرْعَى رَوْضَ المُمَاطَلَة ، لا تَهَاوُناً بأَمْرِهِ الذي أراه كالمكتوبات ، ولا أُمَيِّزَهُ عن المَفْرُوضَاتِ ، ولكن تفادياً من قُصُورِ سَهْمي (٦) عن هَدَف إرَادَتِهِ ، وانحرافاً عن الثِّقَةِ بنفسي في عملِ ما يَصْلُحُ لخِدْمتِه ، إلى أَنْ اتَّفَقَتْ لي في بعض الأيام ، التي هِي أعيادُ دَهْرِي ، وأَعْيَانُ عُمْرِي ، مُوَاكَبَةُ القمرين ، بمسايرة رِكَابِه ، ومواصلة السعدين (٧) بصلة جنابه ، في متوجَّهه إلى فيروزآباد من الشامات ، ومنها إلى خداي داد (٨) ، عمرها الله بدوام عمره ، فلما :
أخذنا بأطرافِ الأحاديث بيننا |
|
وسالَتْ بأَعْنَاقِ المَطِيِّ الأَبَاطِحُ (٩) |
وعدنا للعادة عند الالتقاء (١٠) في تجاذُب أَهْدَابِ الآداب ، وفَتْقِ نَوَافج الأخبار والأشعارِ ، أَفْضَتْ بنا شُجُونُ الحديث إلى هذا الكتاب المذكور ، وكَوْنِهِ شريفَ الموضوع (١١) ، أنيقَ المسموع إذا خَرَجَ من العَدَمِ إلى الوُجُودِ. فأَحَلْتُ في تأليفه على بعض حاشيته من أهل الأدب إذا أعارَهُ ـ أدام الله
__________________
(١) كلمة « تعالى » : ليست في ( ط ).
(٢) في ( ط ) : « مما ».
(٣) بإزائها في ( ح ) : ما يُوَقَّع من غير تصنيف.
(٤) في ( ط ) : « دفتر ».
(٥) بإزائها في ( ح ) : « الحُسْن ».
(٦) بإزائها في ( ح ) : قصور همتي عما يعمل لخزانته » في نسخة أخرى.
(٧) بإزائه في ( ح ) : يعني بالسَّعْدَين المشتري والزُّهرَة.
(٨) إزؤها في ( ح ) : « خُدْوَاذاد » في أخرى.
(٩) ورد البيت بلا نسبة في الشعر والشعراء ٢٥ ( ط ) بيروت وأسرار البلاغة ١٦ ودلائل الإِعجاز ٥٩ ـ ٦٠ ونسب في الشعر والشعراء ص ٨ ( ط ) بريل بليدن سنة ١٩٠٢ لكثير عزة.
(١٠) في ( ج ) : « لانكفاء ».
(١١) في ( ج ) : « الموضع ».