خصب مكة وجفافها
أما التاريخ الذي أنتجته دراسة الآثار وأسفرت عنه كتابات الجيولجيين فقد أطال في بخوثه لا عن مكة وحدها بل عن جزيرة العرب قاطبة وكان مما ذكره أن صحاريها القفراء كانت في عهد من عهود التاريخ المجهولة مروجا خضراء آهلة بالسكان لأن غيوم الرياح الغربية الشمالية كانت تصل إلى الجزيرة قبل أن تفقد رطوبتها فتنهال الأمطار على قممها العالية وتجري في وديانها أنهارا ، فتروي أراضيها وتسقي مروجها ، ولعل في عمق الوديان التي نشاهدها اليوم ما يشير الى شيء من حقيقة هذا الرأي ويذكر تقي الدين الفاسي في شفاء الغرام عن الفاكهي بسند رفعه الفاكهي الى ابن اسحاق ان الحجاز كانت أسحر أرض الله وأكثرها ماء.
ويعلل الجيولجيون الحدب الذي طرأ فيقولون أن عوامل الجفاف الطبيعي ما لبثت أن حالت بالتدرج على مر الاحقاب دون وصول الغيوم المرطبة فحرمت الجزيرة من أنهار جارية.
ولا أستبعد هذا لأن المشاهد أن سورة الجفاف في عهودنا الحاضرة اشتدت وطأتها عن عهود سلفت فاختفت واحات كثيرة كانت معروفة في العهد الجاهلي وصدر الإسلام كما اختفى كثير من المناطق الخصبة التي كان يزرعها اليهود في المدينة وثقيف في الطائف وقريش حول مكة ونضب كثير من العيون والآبار وقل شأن السيول التي كان يفيض بها عقيق المدينة والطائف ووادي ابراهيم في مكة (١).
__________________
(١) على سبيل المثال : ذكر انه كان في وادي امج نحو من سبعين وقيل تسعين عينا لم تبق منها اليوم سوى بضع عيون ، وقيل انه كان بمر الظهران ثلاثمائة عين ، لم تبق منها اليوم غير بضع عشرة عينا. (ع).