والمعمرون في مكة وكثير من مدن الجزيرة يعلمون أن منسوب المياه ومساحة المناطق الخصبة كانت الى قرن سابق أحسن منها اليوم وأن بساتين مكة في أطرافها وضواحيها كانت منتشرة الى مسافات بعيدة مما لم يبق له أثر نتيجة اطراد الجفاف ، ويرى بعض الجيولجيين أن الجفاف سيطرد أمره في الجزيرة على مر العصور وأن نسلنا سيعاني منه أكثر مما نعاني إلا في المناطق الجنوبية لقريبة من المحيط الهندي.
نشأة مكة
وسواء صح نقل المؤرخين الاسلاميين في شأن من هبط مكة قبل عهد ابراهيم أو لم يصح وسواء ثبت استنتاج الجيولجيين عن خصوبة هذه الأرض في عهود مجهولة من التاريخ أو لم يثبت فان مما لا مجال للشك فيه أنه يصح اعتماد هجرة اسماعيل بن ابراهيم عليهماالسلام إلى مكة مبدأ واضحا لتاريخ مكة ولسنا نعني أن جميع التفاصيل التي ذكر المؤرخون أنها لازمت هذه الهجرة أو أعقبتها كانت من الوضوح والصحة بحيث لا يتسرب الينا شك فيها ولكنها
كانت منقولة وحسب كما أن بعضها أشار إليه الحديث الشريف واستكملت البعض الآخر روايات أهل الكتاب وقد بذل المؤرخون الذين جاءوا متأخرين في تصفية ما انتهى اليهم فكان بعضهم دقيقا ما أمكنته الدقة كما أن بعضهم لم يتحرج في ايراد ما صادفه من حشو ولغو.
وإذن فسنبدأ كتابنا من عهد اسماعيل محاولين أن نقتصر على النتائج التي ترتبت عليها نشأة مكة لنربط الماضي بالحاضر تاركين الروايات المطولة التي لابست هجرة اسماعيل لمن أراد أن يستقصيها في كتب التاريخ الإسلامي.