ندعي انها كانت مقصودة لذاتها بقدر ما نرى أنها نتائج طبيعية لثورات من الغضب يفقد العقل فيها توازنه على أننا لا نبرىء الزبيريين فقد ساهموا بنصيب طيب من العناد وأحرجوا الأمويين بتحصنهم بالكعبة فكانت الحجارة تنال الكعبة بقدر ما تنالهم ولو استعانوا بشيء من هدوئهم لأدركوا وقتئذ تحرج الحالة واستحالة الدفاع في حصار تمده جيوش لا قبل لهم بها فأعلنوا طاعتهم استبقاء على دماء من حولهم واحتراما لقدسية البيت الحرام.
الواقع أن الشجاع لا يستطيع أن يصيخ الى نداء العقل ولقد كان عبد الله ابن الزبير على ايمانه بحقوقه في امارة المسلمين واعتقاده بفساد الحكم في الشام ووثوقه بنفسه. كان الرجل الفذ الذي يستطيع أن يضطلع بأمور المسلمين ..
ولقد كان شجاعا من نوع ممتاز وحسبك أن تعلم أن الأمويين كانوا يحملون على باب من أبواب المسجد فيشد عليهم ابن الزبير وليس معه أحد حتى يخرجهم منه إلى الحجون (١) ولقد اجتمع اليه المكيون فقالوا : ألا تكلمهم في الصلح؟ فقال : والله لا أسألهم ذلك أبدا وضاق الناس باصراره فجعلوا يتسللون الى الأبطح طالبين الأمان من الحجاج فيؤمنهم حتى قالوا : ان عدد من تخلى عنه يومئذ لا يقل عن عشرة آلاف رجل ومع هذا لم يزعزع ذلك من ثباته شيئا (٢).
شجاعة أسماء : وضربت أمه بشجاعتها مثلا لم يسبق إلى مثله التاريخ فيما أعلم ، ولا أحسب أنه سيدركها مضارع فيما يأتي قال الواقدي : حدثني مصعب بن نائب عن نافع مولى بني أسد قال شكا ابن الزبير الى أمه خذلان الناس له ، فقالت : ان كنت تعلم أنك على حق فاصبر عليه فقد قتل عليه أصحابك
__________________
(١) شفاء الغرام ٢ / ١٦٩.
(٢) الكامل ٤ / ٢٣.