ولعلهم أرادوا أن يمهدوا بذلك الى اثارة الخلاف بينهما تحاشيا من نتائج الاتفاق بين اليمن ومكة ولكن رميثة كان أفطن من أن يتأثر باقتراحات مصر فقد قابله احسن استقبال ووكل به جماعة من الاشراف والقواد ليقوموا بخدمته ، وقد وزع في مكة اموالا طائلة وحمل اليها هدايا عظيمة ، وأراد أن يترك لنفسه أثرا في مكة فاقترح على رميثة أن يكسو الكعبة ويجدد بابها فأبى رميثة ذلك عليه تحاشيا من أن يتطور الموقف بينه وبين مصر الى حد لا يمكن تلافيه وقد ساء ذلك صاحب اليمن وسافر وهو غير راض عنه بعد الذي كان من اكرامه وخدمته (١).
على أن رميثة وان أغضب صاحب اليمن فانه لم يرض صاحب مصر فقد حفظ عليه الناصر عنايته بصاحب اليمن وانتداب الاشراف لحمايته من المصريين في عرفة.
ويبدو لنا اثر هذه الحفيظة واضحا عندما استدعى الملك الصالح بن الناصر صاحب مصر ابنا لرميثة اسمه عجلان في عام ٧٤٦ واقنعه بنقل الامارة اليه.
ولا يبعد ان عجلان كان يستعير العجلة من اسمه أو أنه أدرك أن أباه قد طعن في السن وأنه اذا تردد في قبول الامارة فسيرشح غيره لها من اخوانه أو أقاربه ، لهذا قبل من غير تردد وتعهد للسلطان أن يسوي الامر بنفسه مع ابيه في مكة.
وأعتقد أن شخصا غير عجلان لا يستطيع اقناع ابيه بالتنازل عن الامارة لاصراره على الثقة بنفسه وعناده ولكن عجلان استطاع أن يقنع أباه ليتخلى عن الامارة لقاء ٦٠ ألف درهم يقدمها له كتعويض ، وبذلك ترك رميثة له شؤون الحكم بعد أن دام فيه نحو ٤٥ سنة اعتزل في أثنائها عدة سنوات ثم عاد شريكا في بعض المرات ومنفردا في غيرها ، وكانت مدة حكمه منفردا تضاهي نحو عشر سنوات.
__________________
(٣) شفاء الغرام للفاسى ٢ / ٢٤٧