الذين جعلوا التفقه في الدين صفة للطائفة المقيمة ، لا للطائفة النافرة ، وقالوا في شرح الآية : ان على المسلمين أن ينقسموا طائفتين : طائفة تنفر للجهاد ، وأخرى تبقى في المدينة تتعلم السنن والفرائض .. والتفسير الذي ذهبنا اليه له أصل في روايات أهل بيت الرسول (ص) ، وهم أدرى بالقرآن وأسراره ، من تلك الروايات : ان سائلا سأل الإمام جعفر الصادق (ع) عن معنى قول النبي (ص) : اختلاف امتي رحمة؟. فقال : ليس المراد بالاختلاف النزاع ، وإلا كان اتفاقهم عذابا ، وإنما المراد به التردد في الأرض لطلب العلم ، ثم استدل الإمام على ارادة هذا المعنى بقوله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) الخ ..) وليس من شك ان هذا الاستدلال لا يتم إلا إذا كان التفقه صفة للطائفة النافرة ، لا الطائفة المقيمة.
واستدل علماء الأصول بهذه الآية على ان خبر الواحد المنقول عن المعصوم حجة يجب العمل به في الأحكام الشرعية ، ووجه الاستدلال بالآية ان الله سبحانه أوجب على العالم أن يعلّم وينذر ، وإذا وجب هذا على العالم وجب على الجاهل أن يقبل قول العالم ويعمل به ، وإلا كان وجوب التعليم والانذار لغوا .. وأيضا إذا وجب على الجاهل أن يتعلم فقد وجب على العالم أن يعلم ، وإلا كان وجوب التعلم على الجاهل لغوا .. قال الإمام علي (ع) : «ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا ، حتى أخذ على أهل العلم أن يعلّموا».
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) تحث هذه الآية المسلمين على تحصين الحدود وصيانتها من أعداء الله وأعدائهم. فقد جاء في مجمع البيان في تفسير قوله تعالى : (الَّذِينَ يَلُونَكُمْ) : «أي قاتلوا من قرب منكم من الكفار الأقرب منهم فالأقرب الا ان تكون هناك موادعة ـ أي هدنة أو معاهدة ـ .. وفي هذه دلالة على انه يجب على أهل كل ثغر الدفاع عن أنفسهم إذا خافوا على بيضة الإسلام ـ أو على بلد من بلاد المسلمين ـ وإن لم يكن هناك إمام عادل». وفي المجلد الأول من هذا التفسير ص ٢٦٩ تكلمنا مفصلا عن مقاتلة الكفار بعنوان «الإسلام حرب على الظلم والفساد».