(وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) وإلا تساوى لديه المحسن والمسيء ، والصالح والطالح حاشا لله : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً) ـ ١٤٦ النساء».
ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة :
منذ ان نزلت هذه الآية ، حتى اليوم ، وأكثر الناس ، أو الكثير منهم يقولون : ولما ذا لم يشأ ، ويا ليته شاء ليريح البلاد والعباد من احن الطائفية وويلاتها؟ ويتضح الجواب مما يلي:
١ ـ ينبغي قبل كل شيء أن نكون على يقين بأن الله سبحانه لا يريد لعباده وعياله ان يتباغضوا ويتناحروا ، كيف ، وهو القائل : «ولا تنازعوا فتفشلوا». وليس من الضروري إذا لم يكرههم على الوئام والوفاق ان يريد لهم النزاع والصراع .. فإذا قلت ـ مثلا ـ لا أحب أن يكون أولادي على رأي واحد في السياسة فليس معنى هذا انك تريدهم متقاتلين متناحرين.
٢ ـ ان للاكراه على الدين ـ بمعنى الاعتقاد ـ طريقين : الأول استعمال القوة. الثاني ان يخلق الله الايمان في القلب كما خلق اللسان في الفم ، والطريق الأول يتناقض مع مبدأ الدين نفسه ، بل ومنطق العقل أيضا ، لأن القوة لا تصنع الإيمان والاعتقاد ، بل العكس هو الصحيح فان الايمان الحق طريقه الأدلة والبراهين ، ومن أجل هذا عرض القرآن هذه الأدلة في أساليب شتى ، وحض الإنسان على النظر اليها وتدبرها ، لينتهي منها مختارا الى الايمان بالله ورسوله واليوم الآخر .. أما الأمر بالقتال من أجل الدين فالمراد منه القتال للعمل بشريعة الحق والعدل ، والحفاظ على سلامة المجتمع وأمنه.
أما الطريق الثاني ، وهو ان يخلق الله الايمان في قلب الإنسان فإنه يخرج الإنسان عن انسانيته ، ويجعل أفعاله بالنسبة اليه ، تماما كالثمرة على الشجرة ، لا ارادة له ولا كسب ولا تفكّر وتدبّر لخلق الكون وما فيه ، ولا استحقاق لمدح أو ذم ، ولا لثواب أو عقاب على شيء. وسبق الكلام عن ذلك عند تفسير الآية ٣٥ من سورة الأنعام ج ٣ ص ١٨٣ و ٣٨٨.