لأنه نبي ، وقوله تعالى : (وَهَمَّ بِها) يومئ الى عزمه على القبيح ، والاستجابة لمراودة التي هو في بيتها؟.
وأجاب المفسرون عن ذلك بأجوبة بعضها فيه وقاحة ، وبعضها بعيد عن ظاهر الكلام .. وأقرب الأجوبة الى الظاهر ومقام الأنبياء ان في الآية تقديما وتأخيرا ، والأصل هكذا (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ). ومعنى هذا انه ما همّ بها إطلاقا ، تماما كقول القائل : لولا فلان لهلكت.
وببيان ثان : ان جميع المقتضيات كانت متوافرة للفعل ، فالمرأة باذلة بل متهالكة ، وهو قوي وقادر من حيث الرجولة ، والخلوة تامة بأكمل معانيها ، فلا سامع ولا ناظر .. ولكن هناك مانع ليوسف أقوى من كل زاجر ، وأعظم من كل سامع وناظر ، وهو علمه بحلال الله وحرامه ، وحياؤه منه ، ويقينه بأن الله أقرب اليه من حبل الوريد ، وانه يعلم ما توسوس به نفسه ، بل وما هو أخفى من ذلك .. هذا هو البرهان الذي منع يوسف عن التفكير بالحرام ، ويمنع كل من آمن حقا وصدقا بالله واليوم الآخر ، نبيا كان أو غير نبي ، وقال قائل : ان يوسف ما تجلى له برهان ربه هذا الا حين همّت به ، وهمّ بها .. حاشا للأنبياء والصديقين .. ان برهان الله لازم لا ينفك بحال عن المؤمنين الصادقين منفردين ومجتمعين بالحسان وبغير الحسان.
(كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ). السوء كيد امرأة العزيز ، والفحشاء الزنا ، والمعنى ان الله مع المتقين الذين يلتجئون اليه مخلصين ، فيحرسهم ويصونهم ممن أراد بهم سوءا ، أو حاول ان يوقعهم في الضلالة والغواية ، تماما كما فعل بيوسف ، التجأ الى ربه ، وخاطبه مخلصا بقوله : «والا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ، فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن انه هو السميع العليم».
(وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ). حاول يوسف التخلص منها بالفرار من بيتها ، فعدت خلفه كالجمل الهائج ، وأدركته قبل أن يهرب من الباب ، وجذبت قميصه من الخلف فشقته طولا .. وهنا وقعت المفاجأة بمجيء الزوج صدفة (وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ). قال صاحب تفسير المنار : «كان النساء