(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) كل أمر بلا استثناء ومنه تسخير الشمس والقمر ، وإرسال الرسل ، وانزال الكتب .. الى ما لا نهاية (يُفَصِّلُ الْآياتِ) يبين الدلائل على وجوده .. ولما ذا (لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) خلق سبحانه الكون ، وأحكمه على أكمل الوجوه ، والعقول السليمة تدرك هذا التدبير والأحكام ، وتستدل به على وجود المدبر الحكيم ، وقدرته على اعادة الخلق ، لأن من قدر على إيجاد الكون من لا شيء ، ورتب ما فيه من الكواكب وغيرها في غاية الإحكام والدقة فبالأولى أن يقدر على جمعه بعد تفرّقه ، فإذا ثبتت القدرة على الاعادة بحكم العقل ، وقد أخبر الصادق الأمين عن الوحي بأنها سوف تقع لا محالة كان وقوعها حتما لا مفر منه.
وبعد ان ذكر سبحانه السموات ذكر الأرض ، والغرض واحد ، وهو تنبيه الغافلين الى الأدلة الكونية على وجود الله وعظمته ، وأن من خلق هذا الكون الضخم بأرضه وسمائه قادر على أن يرسل الرسل ، وينزل الكتب ، ويحيي الموتى ، وهذه الأدلة منها سماوية كرفع السموات بغير عمد ، وتسخير الشمس والقمر ، ومنها أرضية كالتي أشار اليها سبحانه بقوله :
١ ـ (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ). أي بسطها ومهدها ، قال تعالى في الآية ١٩ من سورة نوح : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً). أي واسعة. وفي الآية ٣٠ من سورة النازعات : «والأرض بعد ذلك دحاها». ودحو الشيء في اللغة بسطه وتمهيده. ومن الواضح ان بسط الأرض وسعتها وتمهيدها لا يدل من قريب أو بعيد على انها مسطحة أو كرة ، لأن الجسم إذا كبر حجمه كالأرض كانت كل جهة منه ممتدة ومتسعة في الطول والعرض ، وان كان على شكل الكرة ، وعليه فلا شيء في الآية يمنع من القول بكروية الأرض التي لا ريب فيها ، قال الرازي عند تفسير هذه الآية : «انه ثبت بالدلائل ان الأرض كرة ، فكيف يمكن المكابرة في ذلك .. والأرض جسم عظيم ، والكرة إذا كانت في غاية الكبر كانت كل قطعة منها تشاهد كالسطح». وكان علماء اليونان في عهد أرسطو متفقين على كروية الأرض ، ولكنهم قالوا بسكونها.