ومنه قوله تعالى : (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) ـ ٥٢ الرحمن» أي صنفان. وقوله : (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ) ـ ٥٨ ص» أي أصناف. وقوله : (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) ـ ٣٦ يس». وعلى هذا يكون المراد بالأزواج في الآية التي نفسرها أصناف الكفار المشركين وأهل الكتاب ، وبكلمة ثانية الكفار بجميع أصنافهم ، وضمير منهم يعود الى الكفار ، ومحصل المعنى لا تنظر يا محمد أو لا تحفل بما تراه من الزينة التي يتمتع بها أصناف الكفار من المشركين وأهل الكتاب (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) كان النبي (ص) يحزن ويتألم لنفور المشركين وعدم ايمانهم ، فأمره المولى جل وعلا بأن لا يهتم ولا يكترث ، ومثله : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) ـ ٨ فاطر» (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ). تواضع للطيبين المخلصين لأن التواضع لهؤلاء تواضع لله ، والتكبر على الخونة المفسدين جهاد في سبيل الله : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) ـ ٥٤ المائدة».
(وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ). دعا محمد (ص) الناس دعوة الحق بالحجج والبينات ، وما زالت دعوته قائمة بأدلتها وبراهينها حتى اليوم والى آخر يوم ، وعلى كل عاقل أن ينظرها ويتدبرها ، فإن آمن بها آمن عن بينة ، وان رفضها رفض عن بينة ، أما من ينفر دون أن ينظر فهو ملام ومؤاخذ (كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ). المراد بالمقتسمين اليهود والنصارى لأنهم هم الذين جعلوا القرآن عضين أي فرّقوه وقسّموه أعضاء وأبعاضا ، حيث آمنوا ببعض ، وكفروا ببعض ، كفروا بما يصطدم مع مصالحهم وتقاليدهم ، وآمنوا بما عدا ذلك ، ومحصل المعنى ان الله أنزل القرآن على محمد كما أنزل التوراة على اليهود ، والإنجيل على النصارى الذين آمنوا ببعض القرآن وكفروا ببعض. فأي عجب أن ينزل على محمد كتاب من ربه ما دام قد نزل من قبله أكثر من كتاب!.
(فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ). قرر القرآن في هذه الآية مسؤولية الإنسان عن أعماله ، وفي الآية ١٨ من سورة ق قرر مسؤوليته عن أقواله : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ). وفي الآية ١٩ من سورة غافر قرر مسؤوليته عن مقاصده ونواياه : «يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور». ومتى أيقن الإنسان بأن عليه رقيبا قادرا عادلا خاف واتقى .. ومحال أن تنتظم الحياة