(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). قدمنا ان هذه السورة نزلت في العام التالي للفتح ، حيث عظم أمر الإسلام ، وانتشر في الجزيرة العربية كلها ، وكانت له الكلمة العليا ، ومع ذلك بقي للشرك جيوب في بعض قبائل العرب ، وكيلا تكون هذه الجيوب طابورا خامسا في المجتمع الاسلامي أمر الله نبيه ـ في هذه السورة ـ أن يعلن البراءة من المشركين ، وبالأصح أن ينذر بالحرب كل مشرك يقيم في الجزيرة العربية ، حتى يقول : لا إله إلا الله ، ويدخل فيما دخل فيه الناس. ويشمل هذا الانذار جميع المشركين ، حتى الذين عاهدهم النبي (ص) على الهدنة والمسالمة إلا في حال واحدة أشار اليها سبحانه بقوله : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) ويأتي التفسير.
(فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ). فسيحوا أي قولوا أيها المسلمون للمشركين : سيروا في الأرض آمنين طوال هذه المدة .. بعد إعلان الحرب على المشركين أمهلهم الله سبحانه أربعة أشهر يتنقلون فيها آمنين ، حيث يشاءون لا يمسهم أحد بسوء ، فإن أسلموا بعدها فقد سلموا ، وفازوا دنيا وآخرة ، وان أصروا على الشرك فجزاؤهم القتل في الدنيا ، والعذاب الأليم في الآخرة ، ولن يجدوا من ذلك مهربا.
وتسأل : ان قتال المشرك ، حتى ينطق بكلمة التوحيد لا يتفق مع قوله تعالى في الآية ٢٥٦ من سورة البقرة : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) وقوله في الآية ٩٩ من سورة يونس : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) .. ان الإسلام دين السلم لا دين الحرب؟.
الجواب : أجل ، ان الإسلام لا يكره أحدا على قول لا إله الا الله ، وانما يدعو اليه بالحكمة والدليل : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) ـ ٢٩ الكهف». ولكن قد تستدعي مصلحة المجتمع الاسلامي في ظروف خاصة ان لا يكون فيه مشركون ، لأنهم يسعون في الأرض فسادا .. وفي هذه الحال يجوز للمسلمين أن يكرهوا المشركين على النطق بكلمة التوحيد .. ومشركو الجزيرة العربية كانوا آنذاك طابورا خامسا في المجتمع الاسلامي الجديد. ومن أجل