ومادة (سرح) تأتي بمعنى الإطلاق والإرسال قال تعالى : (وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) [الأحزاب ـ ٤٩] ، وقال تعالى : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) [النحل ـ ٦].
والطلاق إذا وقع مستجمعا للشرائط المعتبرة وكان طلاقا صحيحا يوجب ارتفاع الزوجية وانقطاع العلقة بين الزّوجين وزوال العصمة بينهما فلا ترجع تلك العلقة إلا بالرجوع إليها في العدة أو بعقد جديد بعد انقضائها فقوله تعالى : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ) يدل على الأول. وقوله تعالى : (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) يدل على الثاني. وعلى هذا فيكون قوله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) [البقرة ـ ٢٣٠] ، بيانا للطلاق الثالث.
وقيل : إنّ الآية المباركة في مقام بيان الطلاق الرجعي والطلاق البائن ، فإنّ الأول هو الذي يجوز فيه الإمساك بالمعروف والثاني هو التطليقة الثالثة ، ويدل عليه التفريع في قوله تعالى : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ) وحديث أبي رزين الأسدي أنّه سأل النبيّ (صلىاللهعليهوآله) : «سمعت الله تعالى يقول : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ). فأين الثالثة؟ فقال (صلىاللهعليهوآله) : (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ). وعلى هذا فيكون قوله تعالى بعد ذلك : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) بيانا تفصيليا بعد البيان الإجمالي. وسيأتي في البحث الفقهي ما يرتبط بذلك.
ثم إنّ تقييد الإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان لبيان أنّ النكاح والمعاشرة والطلاق إنّما هي أمور عرفية فطرية فلا يجوز أن يتأتّى منها الإضرار أو المنكر أو الانتقام ، فالرد إلى الزوجية الذي يجوّزه الشرع المبين إنّما هو فيما إذا كان بقصد الالتثام والأنس وسكون النفس الذي كتبه الله تعالى في الحياة الزوجية.
وكذا التسريح الذي شرّعه الله تعالى إنّما يكون معتبرا فيما إذا لم يكن عن انتقام وسخط بل لا بد أن يكون مما تعارف عليه الناس وحسن المعاملة وأداء النفقة وهذا هو المراد من قوله تعالى في الآية الشريفة (فَإِمْساكٌ