تمسهم نداوة منه فضلا عن أن يذوقوه فرجعوا إلى الله تعالى كما بدؤا منه ولم يخطر في جوانحهم إلا الله عزوجل ولم يصدر من حركات جوارحهم شيء إلا لله جلت عظمته (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام ـ ٩٠] ، وهم العروة الوثقى الإلهية ، والحبل الممدود بين السّماء والأرض وبهم يصرف العذاب عن أهل الأرض.
وثالثة : لا تكون عرضا ولا جوهرا بل هي الصراط المستقيم الذي ينتهي إلى الله عزوجل فتكون من صفات فعله الأقدس إلا إذا رجعت إلى العلم والحكمة فتكون حينئذ من صفات الذات ، ويمكن أن تجعل من الصفات البرزخية بين الذات والفعل.
وليس للقسم الأخير وجود واحد فرديّ بل له في كلّ من عوالمه تجلّ خاص لأهله بمظاهر ذلك العالم ويشهد لذلك قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) [فاطر ـ ٤١] إلا أنّ بعض الموجودات يتمسك بها بالطبع ، والبعض الآخر بالتسخير ، وثالث بالاختيار ، وإن جعلناها من صغريات النظام الأحسن كان الأمر أظهر وأبين.
الخامس : قوله تعالى : (لَا انْفِصامَ لَها) قيد توضيحي لا أن يكون احترازيا ، ذكر لكثرة الاهتمام بالعروة الوثقى وللتأكيد على التمسك بها.
السادس : إنّما قدم الكفر على الإيمان في قوله تعالى : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ) لبيان أنّ التحلية بالفضائل لا بد أن تسبقها التخلية عن الرذائل فالاولى مترتبة على الثانية فلا يكون استمساك بالعروة الوثقى الا بترك ما سوى العروة والأخذ بها فقط ، فيكون الكفر هو الترك والإيمان هو الأخذ.
السابع : إنّما ذكر سبحانه «السميع العليم» في آخر الآيات المباركة للإعلام بأنّ كلّ ما يقال في شأن العروة الوثقى الإلهية هو مسموع له تعالى ، وكل ما يخطر بالبال بالنسبة إليها يكون معلوما لديه عزوجل فلا بد من التحفظ عن القول فيها الا بالحق ، وتمسك القلوب في الخطرات والجوارح عن