عالم الآخرة لكن في صور ذلك العالم لما بين العالمين من الاتحاد ، ويدل على هذه القاعدة القرآنية قوله تعالى : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) [البقرة ـ ١١٠] ، وتتفرع على هذه القاعدة قاعدة أخرى لها أهمية عظيمة في أبواب المعاد وهي إمكان تبدل الجواهر إلى الأعراض وبالعكس ، وهذا مما يمكن صدوره من الطبيعة المسخرة تحت قدرة الله جلّت عظمته فضلا عن إبداعه جلّ شأنه وربما تشاهد النفوس القدسية ذلك كمال الآخرة في الدنيا.
السادس : إنّما أطلق سبحانه وتعالى المنّ والأذى في قوله تعالى : (ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً) ولم يحدّهما بحدّ معيّن لاختلافهما باختلاف الأشخاص والعادات والأعصار والأمصار والحالات ، والإطلاق يشمل القول والفعل والكتابة والإشارة ، وكلّ واحد من عنواني المنة والأذى يوجب حبط ثواب الإنفاق وبطلانه ، وسيأتي الكلام في الحبط في الموضع المناسب إن شاء الله تعالى.
السابع : يستفاد من عظيم الأجر الذي وعد به عزوجل على الإنفاق الذي لم يلحقه المنّ والأذى أنّهما من أقبح الرذائل يحبطان الإنفاق ويذهبان أثره ، فكلّ ما يترتب على الإنفاق من المحاسن والآثار الحسنة الفردية والاجتماعية والنفسية يذهبه المنّ والأذى ، بل كلّ واحد منهما يؤثر في النفس والفرد والمجتمع آثارا سيئة يكفي الواحد منها في هدم السعادة المرجوّة ، ولذا ورد في الشرع الحنيف الحث على الابتعاد عنهما ، بل ذكر علماء الأخلاق أنّ أثر المنة والأذى يسري إلى النسل والأعقاب ، فيوجب ذلك حرمانهم عن جملة من الخيرات ، كما أنّ أثر المعاشرة معهم بالمعروف توجب توفيقهم للخيرات والاستباق إليها.
وترك المنّ والأذى هو من فروع الإحساس بالمسؤولية بالوظيفة التي كلّف الإنسان بها ، فإنّ الإنفاق الذي هو فعل الإنسان لا بد له فيه أن يحسّ بمسؤوليته من الجهات المعتبرة شرعا وعقلا ، من عدم المنة وعدم الأذية ، والإخفاء ، وأن يستقلّه وإن كان كثيرا ، وأن لا ينظر إلى عوضه الدنيوي فإنّ له