عند الله الأجر العظيم فأساس تحسين كلّ حسنة هو الإحساس بالمسؤولية ، كما أنّ أساس ارتكاب كلّ سيئة هو الغفلة عنها. أو الاستقامة التي أمر الله تعالى نبيه وأصحابه بها في قوله تعالى : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ) [هود ـ ١١٢] ، وهي العدالة التي هي عبارة عن مخالفة الهوى وصون النفس وإطاعة أمر المولى وهو ما يسميه جمع بالعرفان.
فالمنّ والأذى من أرذل الصفات وأخسها وأقبح الأخلاق وأدونها يضرّان بالشخص والمجتمع بل الأذى من أظهر صفات السباع والحيوانات الكاسرة وهما من المفاهيم الإضافية المختلفة باختلاف الحالات والأشخاص والأزمنة والأمكنة.
كما أنّهما من الأمور القصدية وقد يكونا من الأمور الانطباقية القهرية أيضا.
الثامن : يدل قوله تعالى : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ) على خلق كريم من مكارم الأخلاق ، وهو الرد الجميل أو العفو والإغماض عن السائل إذا لم يجد ما يبذله له ، بل يستفاد من الآية الشريفة أنّ الرد كذلك أولى من الصدقة التي يتبعها أذى فإنّ مفسدة الأذى تذهب بمصلحة الصدقة فيكون فعلا شنيعا بخلاف الرد الجميل قولا كان أو غيره.
التاسع : تدل الآية الشريفة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) على حبط المنّ والأذى للصدقة وهذا هو مورد خاص خرج بالدليل وأما في غير ذلك فلم يقم دليل على إحباط كلّ معصية أو الكبيرة لما يسبقها من الطاعات ما عدا الشرك وسيأتي القول في الحبط في الموضع المناسب إن شاء الله تعالى.
العاشر : يدل قوله تعالى : (كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) على أنّ المرائي لا يؤمن بما يدعو الله تعالى إليه في أمر الإنفاق وما يعد عليه من الأجر الجزيل ، وبعبارة أخرى إنّ كفره كان جهتيا أي الكفر في أمر الإنفاق وثوابه فلو كان مؤمنا لقصد الله تعالى واختار جزيل