قوله تعالى : (غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).
الغفران مصدر كالكفران ، وهو بمعنى الستر منصوب بفعل مقدر من لفظه أو غيره أي : اغفر غفرانك أو نسأل غفرانك.
ومن المقابلة بين السمع والطاعة وبين الغفران يستفاد أنّ الأولين حقا لله تعالى على العبد ، والثاني حق العبد على الله تعالى.
وإنّما حذف المتعلّق ليشمل جميع مراتب إحسانه تعالى ، وتفاؤلا من المؤمنين بأنّ الخير المحض لا يصدر منه الا الخير المحض ، وأنّ أصل الإيمان الذي هو أرفع المقامات وأفضل الحسنات يذهب السيئات فالمؤمن في الدنيا رهين نعمته وفي الآخرة غريق رحمته.
وقد ذكروا الرب لما فيه التلطف وبيان الاحتجاج على رحمته تعالى أي : إنّنا مربوبون لا نملك من أمرنا شيئا وأنت الربّ الذي يرجع إليه العبد فاغفر لنا.
وختموا الدعاء بالمصير إليه اعترافا منهم بالفقر والنقصان وهو المرجع في الدنيا والآخرة وقد طلبوا منه الغفران والستر عما يقع منهم في طريق الاستكمال والمصير إليه عزوجل.
٢٨٦ ـ قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ).
الوسع : الطاقة ، ووسع الإنسان أي ما تسعه قدرته وما تتحمله طاقته وهو يشمل جميع مراتب التكاليف وأبدالها فهو ذو مراتب بحسب متعلقه.
والكلام يحتمل أن يكون من الله تعالى إرشادا إلى تقديسه في كماله ولطفه بعباده ، وتعاليا عن القبح في التكليف بغير المقدور وامتنانا على العباد.
كما يحتمل أن يكون من الرسول والمؤمنين إظهارا لعدله ورأفته بهم. والجملة كالنتيجة لما تقدم في الآية السابقة كما عرفت آنفا ، وتوطئة لما ذكر في الجملة الآتية.