وفي عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز وبإيعاز منه بالذات ، انبثقت فكرة تدوين الحديث النبوي كيلا يضيع ويتلاشى بعد مئة عام على رحيل الرسول صلىاللهعليهوآله وموت أكثر الصحابة.
تقوض الحكم الأموي بعد سبعين عاماً على تبوّء بني أميّة للخلافة ، وتصدى بني العباس للسلطة والحكم حيث بدأ نشوء المذاهب الاسلامية الكبرى ، واتسعت حركة الاجتهاد ليصل عدد الفقهاء والمجتهدين الى أربعمائة مجتهد او اكثر ، اما عدد أصحاب المذاهب ، فبلغ ثلاثة عشر إماماً ، إندثرت مذاهبهم سوى أربعة مذاهب اعتمدها الجمهور وهي المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي ، وكل أصحابها إلتمسوا من الرسول صلىاللهعليهوآله ، والاختلافات بين هذه المذاهب ، اختلافات فقهية فرعية ، جاءت لاغناء الفقه الاسلامي وإثراء جوانبه المتعددة ، مما أدى الى تنويه الأحكام الشرعية وتوسيع نطاقها ، وبالتالي فإن الاختلافات بين المذاهب الاربعة ، اختلافات ايجابية محمودة مادامت إختلافات فقهية لا تقضي الى صراعات ومشاحنات تعصف بالامّة الاسلامية وتذهب ريحها وتفتّ في عضدها.
واليوم طبق الرؤية السُنّية ـ يعيش أتباع المذاهب السنّية الأربعة في وئام وتآخْ ـ وليس هناك ما يدعو الى تنازع وشقاق بعد أن اتفقت الامّة على صحة هذه المذاهب وأفضليتها ، وانها تسير على الخط الذي رسمه الله ورسوله الكريم «عليه الصلاة والسلام» ولم تحدّ عنهما أبداً.
وللتأكد من صحة دعاوى الجمهور المسلم الذي تجسّده مذاهب أهل السُنّة والجماعة ، لابد لنا من التوغل في عمق المدرسة السُنّية ورؤيتها للتحوّلات التي طرأت على الدعوة الاسلامية غداة رحيل الرسول الى بارئه الاعلى ، والمجريات التي عاصرتها خلال القرون الثلاثة الاولى وما بعدها من قرون خلت.