الى الإجابة وحذّرهم ، قائلاً : وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّـهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَـٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (الاحقاف ٣٢)؟
ثم لِمَ انفرد الامام مالك ، باعتبار عمل أهل المدينة سُنّة مشهورة دون أقرانه من الفقهاء وأصحاب المذاهب الأخرى ، الذين لم تَرُقْ لهم هذه القاعدة الفقهية التي تبنّاها مالك في نظريته الفقهية الخاصة به؟
مالك والسلطة الحاكمة
على الرغم من ان الخليفة العباسي (أبو جعفر المنصور) هو الذي أوعز للامام مالك بن أنس ، بتدوين الموطأ الذي أ صبح قُطب الرحى لأتباع المذهب المالكي (١) ، إلا ان مالكاً ظلّ مبتعداً عن أصحاب السلطة ولحُكم ، كما هو معروف عنه ، حتى انه ظل منزوياً لا يصلي جماعة طيلة ٢٥ عاماً من حياته ، لأنه يعتبر النظام الحاكم غير عادل ولا ينبغي ممالاته والتعاون معه حتى رحل عن هذه الدنيا (٢) ، وأشار إلى محنته مع حكام زمانه اكثر المؤرخين ، مثل ابن الاثير والذهبي وابن خلكان وصاحب شذرات الذهب. وكان بعض تلاميذه قد سار بسيرته المتنفّرة من الحكام ، لكن بعض تلاميذه الآخرين ، خرجوا عن هذا المسلك ، مثل تلميذه يحيى بن يحيى الذي أشاع المذهب المالكي في الاندلس ، لمسالمته لحاكمها ، وانتخابه القضاة له من المالكيين ومن أصحابه ، فانقرض مذهب الاوزاعي من الاندلس ، وخَلَفه مذهب مالك (٣) ، ولكن ذلك لم يتفق
__________________
(١) المذاهب الفقهية : ٦٢.
(٢) المذاهب الفقهية : ٦١.
(٣) المصدر السابق : ٨٠.