ولا غرو ان هذه مجرّد إدعاءات ومزاعم تفتقر الى الدليل ، وذلك لأن القرآن الكريم كثيراً ما حذّر المسلمين ، وخاصة أهل المدينة ، من عصيان الرسول صلىاللهعليهوآله وعدم إطاعته ، والتملص من تنفيذ أوامره ، كقوله تعالى : مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّـهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ (١) وهدّد الله تعالى فريقاً من أهل المدينة بقوله : لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (٢).
وقد يردّ مُعرض بأن المعنيين في الآيات الكريمة ، بعض أهل المدينة وليس كلهم .. وهذا صحيح ، ولكن أولئك ضعاف النفوس من أهل المدينة الذين صنّفهم الله في خانة المنافقين والذين في قلوبهم مرض ، يبثّون سمومهم هنا وهناك ، ويسعون إلى إفساد الآخرين والتشويش عليهم وبليلة أفكارهم ومعتقداتهم ، وتحريف السُنّة النبوية من خلال الكذب على رسول الله ، وربما تغلغلت سمومهم وأباطيلهم في أوساط أهل المدينة ، من حيث لا تعلم ، خاصة وانهم كانوا مجهولين على كثير من الناس ، ومندسّين بينهم ، فكيف والحال هذه ، نطمئن الى عمل أهل المدينة ، دون التحرّي عن الصادق منهم والكاذب ، والنزيه منهم والمتهم ، والمخلص منهم والمشبوه ، والحاد الذهن منهم ، وضحل الفكر والتلقي ، ولو كان أهل المدينة كلهم صادقين ، لما قال النبي صلىاللهعليهوآله : من كذّب عليّ فليتبوأ مقعده من النار؟
ثم من قال ان أهل المدينة قد أجاب ـ جلّهم ـ داعي الله ، والقرآن الكريم دعاهم
__________________
(١) التوبة ١٢٠.
(٢) الأحزاب ٦٠.