من مدرسة القياس والرأي ، ثم حين توجّه الى مصر ، وجد من الأنسب ان يمزج بين طريقة الحجازيين وطريقة العراقيين ، فوفّق بين مدرسة الحديث ، ومدرسة الرأي (١).
نحن نستغرب ، لِمَ هذا التذبذب في تبنّي القواعد الاصولية والفقهية لدى الامام الشافعي؟ وما علاقة ذلك يتغيّر البيئة والعرف في العراق ومصر ، كما يرى أشياع المذهب الشافعي ، ويعزونها الى مرونة الفقه الاسلامي ، ومسايرته للتطور؟ (٢).
واذا علمنا ان لكل قطر وبلد وبقعة في الارض ، بيئة معينة خاصة بها ، فهل يعني أن يتبني العلماء وأصحاب المدارس الفقهية ، مذاهب بعدد الأمصار والبلدان والبقاع الموزّعة ـ شرقاً وغرباً ، وشمالاً وجنوباً ، حسب تلك البيئة والمصر!!.
واذا عرفنا ان المذهب الشافعي له أتباع في كل الاقطار والبقاع والقارات ، وليس في مصر بالذات ، فكيف يوفّق أولئك الأتباع بين أحكام المذهب ، وبيئاته وأعرافهم التي تختلف من بقعة الى أخرى ، وتتعارض فيما بينها؟ تُرى لو قيّض للامام الشافعي ، الرحيل الى قطر آخر من الأقطار والولايات الاسلامية ، قبل ان يتوفى ، فهل كان قد غيّر مذهبه وقواعده وأحكامه ، طبق ذلك القطر ذي البيئة ال مخالفة لبيئة مصر والعراق أو الحجاز؟
وفي هذا السياق ، إذا كان المذهب الحنفي. ملائماً للعراق فحسب ، أي المذهب المبني على قواعد القياس والرأي؟ ، فكيف تبّنته ولايات وبقاع نائية ، تختلف بيئاتها وتقاليدها عن أهل العراق كلياً ، كالدولة العثمانية ، وبلدان أوروبية كالبوسنة والهرسك ومقدونيا وألبانيا؟
__________________
(١) المذاهب الفقهية : ٨٣.
(٢) المذاهب الفقهية : ٢٩.