هذه الحادثة كما يؤكد معظم المفسّرين والعلماء من الجمهور المسلم (١) .. وفي هذا الصدد نتساءل في أنفسنا : ألم يكن رسول الله قد بلّغ رسالته وهو على وشك الرحيل من الدنيا؟ فما الذي ينبغي عليه أن يبلّغه حتى يبلغ رسالة الله؟
ثم لو كان الأمر الذي يبلّغه هو الديانة الاسلامية نفسها كما يزعم البعض ، فمن حقنا أن نشرح ونفسّر الآية الكريمة كما يلي : يا أيها الرسول بلّغ رسالة الله فإن لم تبلّغ رسالة الله فما بلّغت رسالته ... وهي عبارة تفتقر للعقلانية والمنطق السليم ، وحاشا لله أن تصدر منه هذه العبارة أو ما يوازيها ، لأنه حتى الطفل الصغير يعلم ان الرسول إذا لم يبلّغ الرسالة الاسلامية فهو لم يبلّغها حتماً ، وهي من البديهيات الأولى التي يعرفها حتى الطف الناشئ ، فلِمَ يا ترى هذا التأكيد الالهي؟ لابد إذن التبليغ هو عن أمر آخر يتعلق بالموقف الذي سيقفه رسول الله ، ويبيّنه للمسلمين المتجمّعين في تلك البقعة. وكذلك يتعلّق بقرب رحيله إلى بارئه تعالى حيث مهّد للخطاب المزمع إلقاءه على الحجيج بأنه راحل عما قريب.
وأي انسان مهما كان عادياً ، فضلاً عن ذوي المكانة الرفيعة ، سواء كانوا ملوكاً أو سلاطين أو حكاماً أو أنبياء ، لابد منهم عندما يحين أجلهم ، أو يوصوا أُسرهم ورعاياهم بأنهم على وشك الرحيل ، وعليهم أن يبلّغوهم بما ينبغي عليهم أن يفعلوا ، وإذا كانوا حكّاماً أو ملوكاً ، فيبلّغوا شعوبهم بخلفائهم الذين يأتون من بعدهم.
وهذا بالضبط ما نوى الرسول صلىاللهعليهوآله أن يفعله تنفيذاً للآية المباركة ، ولذلك ، أكملت الآية أمرها لرسول الله بأن الله سيعصمه من الناس إذا بلّغ هذا الأمر الخطير.
__________________
(١) أسباب النزول ـ الواحدي : ١١٥ ـ مطبعة الحلبي ؛تفسير الرازي ٣ : ٦٣٦ ـ طبع الدار العامرة ـ مصر ؛ تأريخ مدينة دمشق ٢ : ٨٦ ـ حديث ٥٨٦ ـ ط بيروت.