فلو كانت القضية التي سيبلغها النبي صلىاللهعليهوآله للناس ، الرسالة نفسها أو إصلاح ذات البين لِمَا بلغه من وجْد بعض الصحابة على علي وسخطهم عليه ، وإنه أراد أن يُفهم الناس بأنه ينبغي عليهم نصرة علي ، لأن نصرته هي نصرة للنبي صلىاللهعليهوآله ، إذا كان هذا هو هدف الرسول صلىاللهعليهوآله وغايته في كل خطواته تلك ، فلماذا هذا الاهتمام العظيم منه بهذه المسألة؟
وما الغاية من تذكير جموع المسلمين بأن يبلّغ الشاهد الغائب عن هذا الاجتماع العظيم وما سيقوله صلىاللهعليهوآله بشأن علي؟
كان بمقدور رسول الله أن يجمع بين هؤلاء الصحابة الذين كانوا في اليمن مع عليّ ويحلّها بالحسنة بعد العودة إلى المدينة ، لا أن تنزل آية تأمره بتبليغ أمر خطير ، يخشى الرسول من الافصاح عنه بما يُسخط الناس ويؤدي الى تذمّرهم ، فيجمع الحجاج المقفّلين إلى مناطقهم وأمصارهم في ذلك القيظ الشديد ، ويمهّد لحديثه بالتأكيد على وفاته قريباً ، ثم يؤكد أنه ترك الثقلين ، هما كتاب الله وأهل بيته ، ودعاهم للتمسّك بهما ، وانه ينتظر من المسلمين كيف يخلّفونه فيهما؟ أي : هل سيتمسّكون بهما كما يريد أم يدعونهما؟ ثم قال صلىاللهعليهوآله للناس : أليس هو أولى بهم من أنفسهم؟ فأجابوه بالإيجاب ، فرفع يد علي وقال لهم بأن علياً أولى بهم من انفسهم كما هو أولى بهم من انفسهم.
وأولوية رسول الله بنفوس المسلمين ، تعني حاكميته على نفوسهم وأحقيته بها منهم ، بحيث يصبح أمره على نفوسهم نافذاً وجارياً عليها ، ولا يحق لها أن تمتنع أو تتخلّف عن أوامره ، وإلا أصبحت عاصية.
وهذه الحقيقة ، تبرزها الآيتان الكريمتان :
النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ. الاحزاب ٦ ، مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ