بعده أبداً .. وهو قول منطقي جداً وينمّ عن كامل القوى العقلية ، وينسجم مع حجم الخسارة التي ستُمنى بها الأمّة ، ومقدار الفراغ الذي سيتركه فقده صلىاللهعليهوآله ، ولابد من إيضاح وتبيين السبيل الذي إذا اتّبعه المسلمون ، أَمنوا من الضلال والانحراف إلى يوم القيامة (١).
أنه كلام عقلاني جداً وغير عبثي او مُستهجَن ، وانه يدلّ على حرص الرسول على أمّته ومصيرها وهو على مشارف الآخرة.
غير ان الصحابي عمر بن الخطاب ، اعترض على الكتاب ومنع النبي محمداً صلىاللهعليهوآله من كتابته بدعوى ان النبي يهجر ، مع أنه صلىاللهعليهوآله لم يُصدِر عبارات مبهمة أو لا تليق بالمقام ، أو تُصادم المنطق الإنساني حتى يُوصَم بالهجر والهذيان ، وإنما كان كلامه مفهوماً لا لَبْس فيه ، بل ويناسب الموضع الذي كان فيه وهو على فراش الموت.
هل هجر رسول الله حقّاً؟
وإذا كان الرسول صلىاللهعليهوآله يهجر ويهذب ويُطلق كلمات غير معقولة وغير مفهومة ، فلماذا قال عمر بن الخطاب بعد ذلك مباشرة ، حسبنا كتاب الله ، أحلّوا حلاله وحرّموا حرامه؟
لابد وان عُمَر بن الخطاب أدرك أنَّ رسول الله إنما كان يروم أن يكتب كتاباً حول مستقبل الأمّة ، وتعيين جهة معينة تصون الأمّة من الضلالة ، وهي تختزن وتستودع العلم النبوي الذي يفسّر ويبيّن القرآن الكريم ، وهذه ال جهة لابد أن تكون صمّام امان للأمّة من الانحراف عن الاستقامة ، وان كل أفرادها يذعنون لتلك الجهة التي سيعيّنها رسول
__________________
(١) صحيح البخاري ٢ : ١٧٨ ـ دار احياء الكتب ـ مصر ؛ صحيح البخاري ٢ : ١١١ المطبعة الميمنية مصر ؛ صحيح مسلم ـ آخر الوصايا من الصحيح.