يُبل وقد أبلى عثمان سُنّته (١) ، وهو بالتالي قد أخلَّ بالشروط التي وضعتها لجنة الشورى بقيادة عبد الرحمن بن عوف حيث كان قبوله بتلك الشروط سُلماً لخلافته وحكم للمسلمين.
إشكال وجيه
وقد يعترض الجمهور ويستدل على عدم استخلاف رسول الله لعليّ بن أبي طالب ، بأن علياً نفسه كان يتهرّب من الخلافة بالرغم من اندفاع المسلمين. والجواب على هذا الإشكال ، هو ان علياً ، بعد ٢٤ عاماً على وفاة الرسول الذي عيّنه خليفة له بأمر من الله تعالى ، لم يكن يتوقع أبداً أن تعود الأمور إلى نصابها الطبيعي كالتي كانت في أواخر العهد النبوي ، إذ أن الانحرافات التي تلت وفاة الرسول والتي انتهت بالفتنة العمياء أيام الخليفة الثالث ، قد تجذّرت في جسد الأمّة الاسلامية ونخرت فيه من كل ناحية ، ناهيك عن عملية إزاحة أهل البيت عن موقعهم الأصلي الذي بوأهم الله تعالى له ، وخاصة عليّ نفسه الذي هُمِّش موقعه كثيراً ليصبح رجلاً كسَوَقة الناس ، فكيف يرضى أن يصبح خليفة وهو يتسلم تركة ثقيلة من الانحرافات والتجاوزات على الدين والأمّة المغلوب على أمرها؟ وحينما أصرّ المسلمون بأجمعهم ـ بضمنهم سائر المهاجرين والأنصار ـ باستثناء بني أمية وقلة قليلة من الصحابة ، وأصرّوا على مبايعته طواعية دون أن يسمحوا له بالرفض والامتناع ، اقتنع علي بأن الحجة قائمة بوجود هؤلاء المبايعين ، فأذعن لأن يكون حاكماً شريطة ان يحمّلهم على المحجة والحق الصريح لا تأخذه في ذلك لومة لائم ، فقبل المبايعون بشرطه ، وبايعوه إلا ثلاثة من الصحابة لم يبايعوه على
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن ابي الحديد المعتزلي ٦ : ٢١٥.