والحق أن بداية تكوين وتبلور ما يُسمَّى بـ«أهل السُنّة والجماعة» انما كان في عهد معاوية حين دخل الكوفة ، وأعلن تمزيق وثيقة العهود التي أبرمها مع الخليفة الشرعي الحسن بن علي ، وسُمي ذلك العام بعام الجماعة (١).
ويبدو ان بوادر تشكيل المذاهب السُنّية ، بدأت منذ العام الذي استولى فيه معاوية على الحكم ـ عنوة ـ وأصبح معاوية في ذلك العام ، خليفة المسلمين وأمير المؤمنين ـ رسمياً ـ وحاكماً مطلقاً على الأمّة الإسلامية ، مع انه من الطلقاء ومسلمي الفتح ، الذين أسلموا مضطرين ـ هو وأبوه الذي كان يعلن استخفافه بالإسلام والرسول الكريم بين الحين والآخر ، ولعنه صلىاللهعليهوآله مراراً ـ والغريب مع وجود المئات من الصحابة الصلحاء ، وفيهم العالم والفقيه والمخلص ، كيف يصبح معاوية أميراً للمؤمنين ، ويخضع له الجميع؟ إنها من سخريات الأقدار!!
وعند التمعّن في سياسة الحكم التي اتّبعها معاوية أثناء عهده ، يتبين أنه هو الذي رسّخ المبادئ الاساسية والقواعد الأولى لأهل السُنّة والجماعة ، حيث قام :
١ ـ بالترويج لمظلومية الخليفة الثالث ، ودعوة المحدّثين لوضع الأحاديث على لسان النبي في مدح عثمان بن عفان وإبراز مكانته وفضائله المزعومة ، ثم توسّع معاوية ، فدعا المحدّثين والرواة من الصحابة وغيرهم لوضع أحاديث في فضائل ومناقب الخليفتين الأول والثاني كي تنطلي اللعبة على عقول المسلمين ، وأمر المحدّثين أن يضعوا أحاديث مشابهة ومطابقة للأحاديث الصحيحة التي أدلى بها رسول الله في حق أهل بيته وبالأخص في عليّ بن أبي طالب ، لكن في الخلفاء الثلاث الأوائل ، وكذلك في حق الصحابة ، وإحاطة هؤلاء بهالة من القداسة كبديل للقداسة الحقيقية لأهل البيت التي خصّهم بها رسول الله.
__________________
(١) عمدة القاري ـ العيين ١٣ : ٢٨٢.