سُبل الخلاص لهذه الأمّة التي جعلها الله خير أمّة أخرجت للناس ، لولا انحرافها عن الخط الذي رسمه الله لها ، فانزلقت في مهاوي الاختلاف والفرقة والشقاق حتى تفتتت إلى مذاهب وطوائف متناحرة ، يأكل بعضها من لحم بعض ، ويعتدي بعضها على أتباع بعض ، وآل بها الحال الى التناحر والتقاتل والإتهام بالمروق من الدين ، وهي كلّها تستظل تحت راية الاسلام ، وتزعم أنها تستوحي نهجها وسلوكها من القرآن الكريم والسُنّة النبوية المطهّرة والسير على هدْي النبوة.
ثم إنّ القرآن الكريم لم يشرْ إلى هذه المذاهب والطوائف والفِرَق من قريب أو بعيد ، وإنّما حصر الدين بعبارة الاسلام فحسب ، حيث قال تعالى : إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ (١) ولم يقل : ان الدين عند الله ، مذهب أهل السُنّة والجماعة ، أو المذهب الشيعي أو المذهب السلفي وما الى ذلك من المذاهب والفرق والنِحَل!.
فمن أين جاءت هذه التسميات لهذه المذاهب والطوائف التي كانت كثيرة جداً وتقلّصت لتصبح خمساً أو ستاً أو سبعاً على أكثر تقدير؟ ومن أوعز لأصحابها ومؤسسيها بفرض تقليدها على الأتْباع والعوام دون غيرها من المذاهب والطوائف؟ وما الدليل على مشروعية هذه ال مذاهب وانّها تمثّل الحق كما يريده الله ورسوله الكريم؟
وقبل الدخول في صلب بحثنا في تفاصيله الدقيقة ، وتنقيب التأريخ ، وتقليب صفحاته المطوية بدقة ، سعياً لكشف الحقيقة المجرّدة والناصعة التي بقيت خافية على الذين نشأوا مقلّدين للآباء والأجداد دون أن يبذلوا جهداً للتحرّي عن الحق من خلال تصفّح المجريات التأريخية وتراكماتها الّتي أوصلتنا الى حيث العجز والخَوَر والضعف الى حد لا يمكننا النهوض من دون الاعتماد على الغير من أتْباع قوى الضلال والاستكبار الحاقدة
__________________
(١) آل عمران ١٩.