وهذا أيضا طريق آخر.
وأما الجواب للحديث فبأن الطريقة المسلمة المعهودة المقررة أنّهم يحكمون باستحباب الفعل بمجرد أن يرد من الشرع بإزائه ثواب. وذلك إما لأنهم يريدون من المستحب ما يكون بإزائه ثواب ، والثواب الذي فيه يكفي لرجحانه ، أو لأن الثواب عندهم لا يكون إلاّ برجحان فيه ، فلا يكون بغير رجحان ، لمنافاته الحكمة ، ولزوم الترجيح بلا مرجح ، والمرجح ربما كان وجوها واعتبارات يمكن أن يكون مما أشرنا اليه أو غيره ، مما يمكن أو لا يمكن دركه.
واعترض أيضا أن المراد من العمل هو الراجح شرعا ، وعدم اشتراط صدق الحديث إنما هو لحكاية الثواب خاصة (١).
وفيه : أنّه تقييد من غير دليل.
واعترض أيضا بأن بينه وبين آية ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ ). (٢) تعارضا من وجه ، ويمكن تخصيص كل واحد بالآخر (٣).
ويمكن الجواب بأن ظاهر الحديث أنه تعالى يعطي الثواب بمجرد أن ينسب إليه أنه يعطي ، كما هو شأن الكريم البالغ في الكرم ، ولا عناية له في صدق النسبة ، بل صريح كلامه عدم اعتبار الصدق ، ومقتضى الآية العناية في صدق النبإ بكونه عن غير الفاسق ، ويشهد له قوله ( أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ ) (٤).
وبالجملة : اشتراط عدم الفسق لا وجه له بعد التصريح بأنه يعطي وإن
__________________
(١) مشارق الشموس : ٣٤.
(٢) الحجرات ٤٩ : ٦.
(٣) مشارق الشموس : ٣٤.
(٤) الحجرات ٤٩ : ٦.