لو كان كل واحد منهما علة مستقلة للفعل وتداخل لأمكن القول بالصحة ، أما لو كان جزء العلة له وكان لو لم ينضم الآخر لما فعل لبطل كما قال ، لكن يشكل الأمر في ضم الراجح أيضا ، فإن من صام شهر رمضان بضم الحمية بحيث لو لم يكن الحمية لما صام لا يعد ممتثلا لصوم شهر رمضان ومطيعا لله تعالى في ذلك عرفا ، فتأمّل.
قوله : ومتى أخلّ بالاستدامة. ( ١ : ١٩٢ ).
لا يخفى أنّ النية على المشهور هي صورة مخطرة بالبال ، لأنها الداعية على الفعل ، فلا بدّ أن تكون موجودة في الذهن بحيث تؤثر في الإيجاد ، فلو لم تكن موجودة لا تؤثر قطعا ، فكذا لو كانت في الحافظة ، إذ حال النسيان لا تؤثر قطعا.
والذي دعاهم إلى ذلك ما عهد من حصر القوى الباطنة في الخمسة المشهورة المعهودة ، ولهذا شرطوا المقارنة للوضوء والصلاة وغيرهما ، لتحقق مفاد التلبس المستفاد من الأدلّة.
وكذا اعتبروا الاستدامة الحكمية دون الفعلية لتحقق الحرج مطلقا والتعذر في بعض الأحيان ، إذ ( ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) ، فإذا توجه إلى إحضار الصورة فكيف يتأتى أن يتوجه إلى إصدار الفعل.
والحق أنّ المؤثر غير منحصر في المخطر على ما نشاهد في وجداننا ، فإنّا كثيرا ما نفعل الأفعال الاختيارية من غير إخطار ، بل ومع غاية توغل النفس في الأفكار ، أو المكالمات والمخاصمات ، أو الصناعات والحرف ، أو المشي ، أو غير ذلك.
ولذا بعد الصلاة بلا فصل نشتغل بالأوراد والأدعية والقرآن ، سيما وكل واحد واحد مغاير للآخر غاية المغايرة نأتي بالكل من دون إخطار أصلا بالنسبة إلى كل واحد واحد ، ولا بالنسبة إلى المجموع ، بل والفكر في غاية التوغل