حتّى يصير المعنى انّه قبل بعثة الأنبياء لا نعذب على مخالفة الأحكام ـ ولو كان هذا هو المقصود فهو غير نافع في المقام ؛ إذ تدلّ الآية بإطلاقها حينئذ على انّ الله بعد بعثة النبي يعذّب على مخالفة الحكم وإن لم يصل إلى المكلّف وهو خلاف المطلوب ـ بل المقصود منه هو البيان ، أي لا نعذّب على مخالفة الحكم حتّى نبيّنه ، فقبل بيانه لا نعذّب عليه. وإنّما خصّص الرسول بالذكر من جهة أنّه أحد المصاديق والأسباب البارزة التي يحصل بها البيان.
والشيخ الأعظم قدسسره في الرسائل ذكر إشكالين على الاستدلال المذكور هما : ـ
١ ـ ان الآية الكريمة تنفي فعلية العذاب ولا تنفي استحقاقه ، أي هي لا تدل على أنّ المكلّف لا يستحقّ العذاب قبل بيان الحكم بل أقصى ما تدل عليه هو انّ الله سبحانه لا يعذّب قبل البيان ولعلّ عدم تعذيبه ليس من جهة أن المكلّف لا يستحق العذاب بل من جهة عفوه سبحانه عن المستحق ، والنافع في مقام الاستدلال هو عدم الاستحقاق لأنّ المكلّف إذا لم يستحق العذاب قبل العلم بالحكم كان ذلك دالاّ على عدم ثبوت الحكم وأمّا نفي العذاب الفعلي فهو لا يدلّ على عدم ثبوت الحكم ؛ إذ لعلّ الحكم ثابت والمكلّف يستحق العقاب عليه ولكن الله سبحانه لا يعاقب عليه بالفعل لكرمه وعفوه (١).
٢ ـ انّ الآية الكريمة ناظرة إلى العذاب الدنيوي الذي نزل بالامم السالفة كامّة نوح أو هود أو صالح وغيرهم من الأنبياء صلواته عليهم أجمعين ، فهي كأنّها
__________________
(١) ويمكن أن يقال انّ المهم لمن يدّعي البراءة هو إثبات أنّ لا عذاب بالفعل سواء كان هناك استحقاق أم لا ، وسواء كان الحكم ثابتا واقعا أم لا