تريد أن تقول : إنّا لم نعذّب قوم هود وصالح إلاّ بعد أن أرسلنا لهم أنبياء ، وواضح أنّ هذا أجنبي عن محل كلامنا فإنّ كلامنا هو في أنّ المكلّف لو لم يجد دليلا على حرمة شرب التتن فهل يعاقب يوم القيامة لو دخن أو لا ، فالنظر إنّما هو إلى العقاب في عالم الآخرة لا إلى عالم الدنيا.
ويمكن دفع الإشكال الأوّل ـ وهو أنّ الآية ناظرة إلى نفي الفعلية لا نفي الاستحقاق ـ بأن التعبير بجملة « ما كنّا » ظاهر في نفي الشأنية والمناسبة ، أي أنّ المقصود : ليس من شأننا ولا يناسبنا أن نعذّب قبل البيان ، وهذا كما يقال عرفا ما كنت لأهين الضيف ، فإنّ المقصود أنّه لا يناسبني وليس من شأني إهانة الضيف ، وواضح ان نفي الشأنية يتناسب ونفي الاستحقاق فإنّ العبد إذا كان لا يستحق العقوبة صحّ أن يقال : لا يناسب المولى إنزال العقوبة بالعبد بخلاف ما إذا كان يستحق العقوبة فإنّه يصحّ أن يقال إنّ إنزال العقوبة ممّا يتناسب والمولى.
وأمّا الإشكال الثاني ـ وهو أنّ الآية ناظرة إلى العذاب الدنيوي في الامم الماضية لا إلى العذاب الاخروي ـ فيمكن ردّه بثلاثة أجوبة : ـ
أ ـ إذا ثبت أنّ مقصود الآية نفي المناسبة وأنّه لا يناسبنا إنزال العقوبة قبل البيان فلا تكون خاصّة بنفي العذاب الدنيوي بل تعمّ نفي العذاب الاخروي أيضا فإنّ نكتة عدم المناسبة ليست هي إلاّ أنّ العذاب قبل البيان أمر قبيح ، وهذه النكتة لا تختص بالعذاب الدنيوي بل هي مشتركة وثابتة في العذاب الاخروي أيضا ، فكما انّ إنزال العقوبة الدنيوية قبل البيان قبيح كذا الحال في العقوبة الاخروية. وهذا نظير ما إذا قال شخص أنّه لا يناسبني إهانة الضيف فإنّه لا يحتمل أن يكون المقصود انّه لا يناسبني إهانة الضيف في الصيف دون الشتاء أو في