المقصود للحديث إفادة التعليق الواقعي ـ بحيث يصير المعنى : أنّ الإباحة الواقعية متوقّفة واقعا على عدم صدور النهي فيكون عدم صدور النهي علّة واقعا لثبوت الإباحة الواقعية ـ أو أنّ المقصود ليس هو إفادة التعليق الواقعي بل إفادة أنّ النهي إذا لم يكن صادرا واقعا فالإباحة واقعا هي الثابتة؟
فإنّ كان المقصود هو الأوّل فهو باطل فإنّ إباحة شرب التتن واقعا والنهي عن شرب التتن متضادان ؛ إذ امّا أن يكون التتن مباحا واقعا أو منهيا عنه ، ومع التضادّ فلا يمكن أن يكون عدم صدور النهي علّة لثبوت الإباحة فإنّ عدم ثبوت أحد الضدّين لا يكون علّة لثبوت الضدّ الآخر ، ولذا لا يصحّ أن يقال أنّ عدم الإزالة هو العلّة لوجود الصلاة بل العلّة لوجود الصلاة هي إرادة المكلّف فهو لما أراد الصلاة أوجدها ولم يوجد الإزالة ، فوجود الصلاة وعدم الإزالة معلولان لعلّة واحدة وهي إرادة المكلّف لا أن الإزالة لما انعدمت وجدت الصلاة.
وإن كان المقصود هو الثاني فهو باطل أيضا لأنّه بيان لمطلب واضح لا يستحقّ التعرّض له بمثل الحديث الشريف لأنّ معنى الحديث يصير : إذا لم يكن النهي صادرا واقعا فالإباحة هي الثابتة ، ان هذا لغو وبيان لما هو واضح إذ هو نظير أن يقال إذا لم يكن أحد الضدّين ثابتا فالضدّ الآخر هو الثابت فالبياض إذا لم يكن ثابتا فالسواد هو الثابت (١).
وباختصار : أنّ الإباحة الناظر لها الحديث لا يمكن أن تكون إباحة واقعية لأنّ إرادة التعليق الواقعي غير ممكنة ، وإرادة غير التعليق الواقعي لغوية فيلزم أن
__________________
(١) فيما لو فرض عدم وجود ضدّ ثالث