تلك الأدلة؟ مع انّه على مذهبه لا بدّ أن يردّ ذاك القول بعدم المعنى له بعد القول بانتزاعية الأحكام الوضعية.
وامّا ثانيا : فلأنّه لا بدّ في الامور الاعتبارية الاختراعية في مقام انتزاعها من لحاظ منشئها وتحققه ، مع انّه ليس كذلك في مثل الملكية والزوجية ونحوهما حيث انّه بمجرد وقوع العقد بين المتبايعين والمتناكحين يعتبر لهما الملكية والزوجية مع الغفلة بالكلية عن تكليف شرعي وانّ المنشأ لهما مثلا أيّ الآثار وانّه يتحقق بينهما أم لا ، فيستكشف عن عدم كون الأحكام الوضعية منتزعة عن التكليف.
واما ثالثا : فلأنّه لو كانت منتزعة فلا بدّ في مقام الانشاء من قصد حصول المنشأ وهو التكليف أو قصد ما كان موضوعا له ، وبعد تحققه فيتبعه الوضع قهرا حيث انّه منتزع عنه ولا بدّ في مقام اختراع الأمر الانتزاعي من قصد حصول منشئه ، ومن المعلوم انّ الأمر في المقام ليس كذلك حيث انّه ينشأ الوضع ويتسبب بانشائه إلى تحققه مع الغفلة عن التكليف رأسا.
والحاصل : انّه لا وجه لجعل الأحكام الوضعية منتزعة عن التكليف مع انّ اختلافه لا يوجب الاختلاف فيها ، دون العكس فانّ اختلافها يوجب الاختلاف فيه فيستكشف عن كونها مجعولة بالاستقلال ثم يتبعها التكليف. ويدل عليه قابلية بعض الحقوق ـ مثل الشفعة وحق الخيار ونحوهما ـ للصلح والاسقاط والنقل والانتقال ، مع انّ التكليف ليس كذلك وليس اختراعه بيد المكلف واختياره.
ومما ذكرنا في الملكية والزوجية ونحوهما ظهر : انّ الحال في الحجية والولاية والقضاوة وسائر المناصب كذلك فانّها مجعولة بالاستقلال ثم يتبعها الوضع لا بالعكس وان كان يعبّر عنها بآثارها كناية عنها. ويدل عليه كيفية جعل المناصب في العرف ؛ وقوله عليهالسلام بعد ذكر صفات القاضي : « انّي قد جعلته قاضيا وحاكما عليكم