ولا يخفى انّ الامكان في مقابله ممّا يتوقف الحكم به على مئونة برهان عليه حيث انّه كالامتناع من جهات القضية المتوقف كلّ منها على الدليل عليه وإلاّ فيكون الحكم به بمجرد عدم ما يوجب الاستحالة تخرّصا بالغيب وتحكّما بلا ريب وترجيحا بلا مرجح ، ولا دليل على كونه أصلا بالنسبة إلى ما يقابله كي يؤخذ به عند الشك إلى ان يقوم دليل على خلافه ، وحيث انّه لا يكون افراده اكثر من مقابله كي يحمل المشكوك على الأغلب ، وعلى فرض التسليم لا بدّ من التوقف أيضا لاحتمال كون المشكوك من النادر الموجب لعدم الحكم به لعدم كون الغالب أصلا للنادر بعد كون كل منهما جهة واقعية للقضية المحتاج في الحكم بطرفه من دليل على ثبوته ، وليس مجرد عدم الدليل على المنع طريقا يسلكه العقلاء في الحكم بالامكان كما أفاده الشيخ قدسسره. (١)
وأمّا العبارة المحكية من الشيخ الرئيس من قوله : « كلّما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة الامكان ما لم يذدك عنه قائم البرهان » (٢) فمراده منها حمل المسموع عند عدم القطع بالامتناع على الامكان الاحتمالي الكافي فيه عدم الاطلاع على الطرفين ، وهو وان لم يحتج على تأسيس أصل إلاّ انّ الشيخ في مقام النصح على الامثال في زمانه وزماننا من انّه لا يحسن الانكار والاستغراب فيما لو ادّعاه مدّع بمجرد عدم الاطّلاع به مع عدم الدليل على منعه كما هو عادتهم ، لا انّه في مقام تأسيسه قاعدة لحمل المشكوك على الامكان واقعا بمجرد السمع ، وإلاّ فهو أجلّ من ذلك.
نعم دعوى القطع بالامكان الواقعي فيما نحن فيه باحاطة العقل بجميع
__________________
(١) فرائد الاصول ١ : ١٠٦.
(٢) الاشارات والتنبيهات ٣ : ٤١٨ ؛ وشرح المنظومة ، قسم الفلسفة : ٥١ في اواخر « غرر في ان المعدوم لا يعاد بعينه » ؛ والطبعة الحديثة ٢ : ٢٠٥.