في المقام الثاني في وقوع التعبد به وعدمه ؛ وقبل الخوض في ذلك لا بدّ من بيان حكم الشك في الحجية ، وانّه هل يحتاج إلى تأسيس الأصل لصورة الشك أم لا؟
والتحقيق ، على ما يقتضيه النظر الدقيق : عدم الاحتياج إليه.
بيانه : انّ الحجة وما هو طريق بالحمل الشائع إنّما يكون إذا أحرز التعبد ، وبدونه لا يصدق على التعبد واقعا الحجة والطريق حقيقة وان كان يصدق عليه انشاء ، حيث انّ الأثر المرغوب من الحجة ليس إلاّ ما هو أثرها عقلا : من وجوب متابعته ، والحركة على وفقه عملا ، وتنجيز الواقع عند الاصابة والعذر عنه ، وتحقيق موضوع التجرّي عند الخطأ ، بحيث لو لا تلك الآثار لم يتحقق مصداق الحجة بالحمل الشائع ؛ ومن المعلوم انّ العقل لا يحكم بتلك الآثار إلاّ عند احراز التعبد لا بدونه ، فإذا كان كذلك فيعلم : انّ موضوع هذه الآثار متقوّم بالعلم ، بل يكون موضوعا لها ، وبمجرد الشك يحصل القطع بانتفاء الموضوع فتنتفي تلك الآثار بالقطع بلا حاجة إلى الأصل وتأسيسه ؛ كما هو كذلك بالنسبة إلى كل حكم أخذ العلم في موضوعه ولم يكن يترتّب على نفس الواقع.
وأمّا ما أورد الاستاذ دام ظله (١) في بعض كلماته على الشيخ قدسسره (٢) ـ المنكر (٣) لاستصحاب البراءة عن التكليف لعدم الأثر له إلاّ عدم الاشتغال وعدم الاطاعة عقلا وهو يترتّب على مجرد الشك في التكليف بحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان بلا حاجة إلى الأصل ـ : بأنّ الاستصحاب مقدّم على قاعدة البراءة العقلية ،
__________________
(١) كفاية الاصول : ٤٧٥ ؛ درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : ٢٠٨ ، والطبعة الحجرية : ١٢٥ في التعليق على قول الشيخ : « وموضوع البراءة في السابق » ؛ درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، والطبعة الحجرية : ١٧٨ في التعليق على قول الشيخ : « واما اذا لم يكن العدم مستندا ».
(٢) فرائد الاصول ٢ : ٥٩ ـ ٦٠ ؛ ٣ : ٣٩ ـ ٤٠ ؛ ٣ : ٢١٩.
(٣) جملة معترضة طويلة.