واستدلّوا أيضا بأنّ الحسن والقبح العقليّين ينفيان اختيار الله تعالى (١).
وجوابه بديهي.
[ الأمر ] الثالث : اختلف القائلون بالحسن والقبح العقليّين بأنّ الحسن والقبح هل هما ذاتيّان للفعل ـ أي من مقتضيات ذات الفعل من حيث هي هي ـ أو يقتضيهما الأوصاف اللازمة للفعل ، أو الوجوه والاعتبارات الإضافيّة العارضة له ، أو المقتضي لهما القدر المشترك بينها وأعمّ من كلّ منها أي يختلف الأفعال في مقتضي حسنها وقبحها ، ففي بعضها الذات ، وفي بعضها الأوصاف اللازمة ، وفي بعضها الاعتبارات الإضافيّة (٢)؟
ويدلّ على بطلان القولين الأوّلين : جواز النسخ. وصيرورة القبيح حسنا بالاعتبارات ، كالكذب إذا كان فيه مصلحة ، وقد يجب إذا كان فيه إنقاذ نبيّ من القتل ، وكذا العكس. ولزوم اجتماع النقيضين على القول بهما إذا قال : « لأكذبنّ غدا » ؛ لأنّه لو صدق أحد كلاميه ـ اليوميّ ، أو الغديّ ـ كان حسنا ؛ لصدقه ، وقبيحا ؛ لكذبه.
والمذهب الثالث أيضا باطل ؛ لأنّا نعلم جزما أنّ بعض الأفعال حسن لذاته ، كمعرفة الله ، ولا يصير قبيحا بوجه من الوجوه. وبعضها قبيح لذاته ، كالشرك والجهل وقتل الأنبياء ، ولا يصير حسنا مطلقا.
فالحقّ : المذهب الأخير.
[ الأمر ] الرابع : قد أشرنا (٣) إلى أنّ الحسن والقبح العقليّين غير الحسن والقبح الشرعيّين ، فإنّ الواجب العقلي ما يستحقّ فاعله المدح وتاركه الذمّ ، والحرام العقلي ما يستحقّ فاعله الذمّ. وقس عليهما المستحبّ والمكروه العقليّين.
والواجب الشرعي ما يستحقّ تاركه العقاب وفاعله الثواب ، والحرام الشرعي ما يستحقّ فاعله العذاب.
__________________
(١) راجع : العدّة في أصول الفقه ١ : ٢٥ و ٢٦ ، والبحر المحيط ١ : ١١١ ـ ١١٤.
(٢) المصدر.
(٣) في ص ١٠١ ، « ويمكن أن يقال ... ».