والقول بجريان عادة الله (١) بعدم إظهار المعجزة على يد الكاذب ، واه بعد ما ذهبوا إليه.
ومنها : أنّه يلزم حينئذ إفحام النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد رؤية معجزته بتجويز تمكين الكاذب ، أو قبل رؤيتها إذا طلب من المكلّفين الرؤية ولم يريدوها ؛ ووجه اللزوم ظاهر.
[ الأمر ] الثاني : استدلّ الأشاعرة على مذهبهم بأنّ أفعال العباد اضطراريّة ، وحينئذ ينتفي الحسن والقبح العقليّان (٢).
والجواب : منع كونها اضطراريّة ، كما ثبت في محلّه.
وبقوله تعالى : ( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً )(٣) ؛ حيث دلّ على أنّ التعذيب لا يكون قبل البعثة مع لزومه قبلها على القول بالحسن والقبح العقليّين.
والجواب : أنّ نفي فعليّة العذاب لا ينافي الاستحقاق ؛ لجواز العفو بدون البعثة. أو المراد نفي التعذيب بالأوامر الشرعيّة بدون البعث دون ما يقتضيه العقل. أو المراد التعذيب الدنيوي. أو المراد من الرسول العقل كما قيل (٤). وبعض هذه الوجوه وإن كان مخالفا للظاهر إلاّ أنّه يمكن إجراؤه في النقل الذي كان في الظاهر مخالفا للقطعيّات العقليّة.
ويمكن أن يقال : التعذيب على الوجوب والحرمة الشرعيّين دون العقليّين ، فالحسن والقبح العقليّان يوجبان المدح والذمّ ، لا الثواب والعقاب ، وهما من مقتضيات الحسن والقبح الشرعيّين ، إلاّ أنّ في هذا كلاما ستعرف (٥) إن شاء الله.
هذا ، مع أنّ الشيعة يقولون : لا يخلو زمان عن حجّة ، فكلّ عصر يكون مسبوقا بالحجّة ، فالتعذيب بسبب إدراك العقول يكون بعد البعثة البتّة ، ويتأتّى هذا القول على مذهب غير الشيعة أيضا ؛ لأنّ آدم عليهالسلام رسول وهو سابق الأعصار كلّها (٦).
__________________
(١) كما هو شعار المجبّرة.
(٢) راجع المحصول ١ : ١٢٤ و ١٢٥.
(٣) الإسراء (١٧) : ١٥.
(٤) نسبه السيّد ضياء الدين الأعرج إلى العلاّمة في منية اللبيب : ١٩.
(٥) في ص ١٠٢ ، الأمر الرابع.
(٦) قاله الفاضل التوني في الوافية : ١٧١ و ١٧٢.