والعزيمة لغة (١) : القصد المؤكّد. وعرفا : الحكم الثابت لا لعذر المشقّة والحرج.
فمباح الأصل ليس رخصة ؛ لأنّ جواز فعله ليس لأجل المشقّة والحرج.
وما قيل في تعريف العزيمة : بأنّها الحكم الثابت لا مع قيام المقتضي للمنع (٢) ، يرد عليه : أنّ مطلق التكليف عزيمة مع قيام المقتضي للمنع ، وهو (٣) الأصل ؛ فإنّ الأصل عدم التكاليف. ويمكن التوجيه بعناية ، فتأمّل.
وقيد الأخير في تعريف الرخصة لإخراج التكاليف كلّها ؛ فإنّها أحكام ثابتة ، وفي بعضها ـ بل في كلّها ـ قام ما يقتضي المنع ؛ لأنّ جميع التكاليف على خلاف الأصل ، لكنّ ثبوتها ليس لأجل المشقّة والحرج.
ثمّ إنّ الرخصة إمّا واجبة ، كوجوب أكل الميتة للمضطرّ. أو مندوبة ، كتقديم غسل الجمعة لخائف فقد الماء ، أو مكروهة ، كالتقيّة في المندوبات مع خوف الالتباس على العوامّ ، وعدم ظنّ الضرر. أو مباحة ، كاستعمال الأحجار في الاستنجاء مع وجود الماء بالشروط المعلومة ، وما ورد فيه الرخصة من المعاملات المخالفة للأصل ، كبيع العرايا (٤) وأمثاله.
وقد يقع الاشتباه في بعض المواضع. وبعد ما عرفت الفرق لا يلتبس حقيقة الحال عليك.
وممّا وقع فيه الإشكال القصر في السفر ؛ فإنّه عزيمة عند أصحابنا (٥) مع أنّ تعريف الرخصة يصدق عليه ، والآية الشريفة (٦) أيضا تدلّ على ذلك. وبيّن الأصحاب عذرهم في ذلك في كتبهم الاصوليّة والفروعيّة (٧).
وزاد بعض آخر في خطاب الوضع التقدير (٨) ، وهو أن يقدّر المعدوم كالموجود أو
__________________
(١) لسان العرب ١٢ : ٣٩٩ ، « ع ز م ».
(٢) راجع المحصول ١ : ١٢٠.
(٣) أي المقتضي للمنع عبارة عن استصحاب عدم التكليف.
(٤) العرايا جمع العريّة ، وهي النخلة تكون في دار الإنسان. راجع لسان العرب ٩ : ١٨٠ ، « ع. ر. ي ».
(٥) راجع : الانتصار : ١٦٠ ، والنهاية : ١٢٢ ، والخلاف ١ : ٥٦٩ ، وشرائع الإسلام ١ : ١٠٣.
(٦) وهي قوله تعالى : ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) ، النساء (٤) : ١٠١.
(٧) راجع تمهيد القواعد : ٤٧ ، القاعدة ٧.
(٨) انظر الفروق للقرافي ١ : ١٦١.