وأنكر الكعبي المباح بالمعنى المذكور وقال : كلّ مباح إمّا واجب بعينه ، أو مقدّمة له ، وهي أيضا واجبة.
واستدلّ على وجوبه : بأنّه إمّا عين ترك الحرام ، كإطباق الفم ، فإنّه ترك القذف. أو مقدّمة لتركه ، كالكلام وإطباق الفم لترك شرب الخمر ؛ فإنّه لا يتمّ إلاّ بهما أو بأمثالهما من الامور المباحة ، وترك الحرام وما لا يتمّ ترك الحرام إلاّ به واجب (١).
وقد ذكر القوم لإبطال استدلاله وجوها :
منها : أنّه يلزم أن يكون واجب ـ كالصلاة مثلا ـ حراما ، إذا صار فعلها سببا لترك واجب ؛ لأنّ سبب الحرام حرام ، فيكون الشيء الواحد حراما واجبا (٢).
ولا يخفى ما فيه ؛ لإمكان أن يلتزمه بالاعتبارين.
ومنها : أنّ المسلّم وجوب المقدّمة الشرعيّة دون العقليّة والعاديّة (٣).
ولا يخفى ما فيه أيضا ؛ لما سيجيء (٤).
ومنها : أنّ قوله : « المباح [ ما ] لا يتمّ الواجب (٥) إلاّ به » غير مسلّم ؛ لأنّه غير معيّن ؛ لإمكان الحصول (٦) بغيره (٧).
وفيه : أنّ هذا ينفي الوجوب العيني ، ويثبت التخييري (٨) ، وهو كاف.
ويمكن أن يحرّر هذا الجواب بوجه لا يرد على القوم شيء ، بأن يقال : إذا بني الأمر على وجوب المقدّمات الشرعيّة والعقليّة ، فلا بدّ أن يقال : إذا كان شيء حراما وكان واجب الترك ، لا يتحقّق هذا الترك إلاّ في ضمن واحد من الامور المباحة ، وليس واحد منها معيّنا له ، بل كلّ واحد منها يصلح له ، فالمقدّمة للترك أمر كلّي مشتمل على أفراد كثيرة ، وكلّ واحد منها مباح عينا ، وإن كان فردا لمفهوم كلّيّ هو واجب يمكن أن يتحقّق في ضمنه ،
__________________
(١ ـ ٣) حكاهم الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ١ : ١٦٨ ـ ١٦٩.
(٤) أي في مقدّمة الواجب راجع ص ١٣٤ وما بعدها.
(٥) والمراد به هو ترك الحرام.
(٦) أي حصول الواجب وهو ترك الحرام.
(٧) حكاه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ١ : ١٦٩.
(٨) في « ب » : « التخيير ».