وأنكره بعض الشافعيّة وقالوا : إنّه لا يجب على الكلّ ، بل على بعض مبهم (١).
ويدفعه الإجماع على تأثيم الجميع بالترك.
واستدلّوا عليه بوجوه ثلاثة :
أوّلها : لو وجب على الجميع ، لم يسقط بفعل البعض.
والجواب : أنّ هذا مجرّد استبعاد.
وثانيها : أنّ آية النفر (٢) تدلّ على وجوبه على بعض مبهم.
والجواب : أنّ الآية مأوّلة بأنّ فعل بعض يسقط عن الكلّ ؛ ودليل التأويل الإجماع.
وثالثها : أنّه كما يجوز الأمر ببعض غير معيّن ، يجوز أمر بعض غير معيّن.
والجواب : أنّ الفرق بينهما واضح ؛ فإنّ التأثيم بغير المعيّن معقول ، وتأثيم غير المعيّن غير معقول.
ثمّ السقوط عن الجميع موقوف على العلم بفعل البعض ، أو على الظنّ الشرعي به ، ولو حصل أحدهما لطائفة دون اخرى سقط عن الاولى دون الثانية. فإذا أخبرنا بموت أحد ، فسقوط صلاته عنّا موقوف على القطع بوقوع الصلاة عليه ، أو على شهادة العدلين عليه ، أو على خبر واحد محفوف بالقرائن ، فلو أخبر واحد به لا تسقط عنّا بمجرّده.
ويتفرّع عليه أيضا : عدم السقوط عنّا إذا صلّى فاسق على الميّت بحضرتنا ؛ لأنّه لا بدّ من الظنّ الشرعي بإيقاع أفعال الصلاة صحيحة ، وإخبار الفاسق في ذلك غير مقبول. وقس عليه صلاة ما فوق الواحد مع فقد العدالة.
ومن التفريعات : أنّه إذا شرع بعض في صلاة الميّت ، وفي الأثناء شرع بعض آخر فلا بدّ له من نيّة الوجوب ؛ لعدم السقوط بعد. ولو تمّ صلاة البعض الأوّل ثمّ شرع بعض آخر ، فالظاهر لزوم نيّة الندب ؛ لعدم تعقّل الوجوب مع السقوط.
وقيل : إنّ وظيفته أيضا الوجوب ؛ لأنّه متعلّق بالجميع ، والسقوط بفعل البعض
__________________
(١) حكاه البصري في المعتمد ١ : ١٣٨ ، والفخر الرازي في المحصول ٢ : ١٨٦ ـ ١٨٧ ( هامش ) ، والمطيعي في سلّم الوصول ، المطبوع مع نهاية السؤل ١ : ١٨٥ ـ ١٩٥ ، والأسنوي في نهاية السؤل ١ : ١٨٥ ـ ١٩٧.
(٢) وهي قوله تعالى : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ ) ، التوبة (٩) : ١٢٢.