وظهر بطلانه ممّا ذكرنا.
وهنا مذهب آخر ينسبه كلّ من الأشاعرة والمعتزلة إلى الآخر ، واتّفقا على بطلانه ، وهو أنّ الواجب واحد معيّن عند الله ، مبهم عندنا (١).
ووجه ظهور سخافته : أنّ الواجب إذا كان معيّنا عند الله ، فلا معنى لأن يخيّر عباده بينه وبين غيره.
ثمّ اورد (٢) على مذهب التخيير بأنّه لا معنى لتعلّق التكليف بالمبهم ؛ لاستحالة إيقاعه.
والجواب ـ كما أشرنا إليه (٣) ـ : أنّ التكليف إنّما تعلّق بالمعيّن ، وهو الأمر الكلّي الصادق على كلّ واحد من الأفراد ، وكون الواحد المبهم واجبا إنّما هو لأجل اشتماله على هذا الأمر الكلّي.
واورد شبه آخر واهية ، وأجوبتها ظاهرة (٤).
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه يتفرّع عليه أنّ المكلّف إذا أتى بجميع أفراد الواجب المخيّر معا دفعة ، فهل يوصف المجموع بالوجوب ؛ نظرا إلى عدم رجحان بعضها ، فيكون المسقط للفرض جميعها ؛ لأنّه أيضا من أحد الأفراد ، فيثاب المكلّف على الجميع ثواب واجب. أو يكون كلّ واحد منها مسقطا للفرض ، ويوصف كلّ واحد منها بالوجوب ، فيثاب على كلّ واحد ثواب واجب. أو يكون الواجب أحد الأفراد إذا تساوت ، وأدناها أو أعلاها إذا تفاوتت ، فيثاب عليه ثواب الواجب ، وعلى البواقي ثواب التطوّع (٥)؟
قيل : الموصوف بالوجوب ليس إلاّ واحدا منها ، وهو الذي يتحقّق به مسمّاه ؛ لأنّ الشارع لم يطلب منّا سواه ، فيثاب عليه ثواب الواجب ، وعلى البواقي ثواب المستحبّ (٦).
__________________
(١) حكاه عنهم الأنصاري في فواتح الرحموت المطبوع مع المستصفى ١ : ٦٦ ، والفخر الرازي في المحصول ٢ : ١٦٠ ، والأسنوي في التمهيد : ٧٩ ، والشيخ حسن في معالم الدين : ٧٢ و ٧٥.
(٢) هو ما يسمّى بقول « التراجم » ؛ لأنّ الأشاعرة يرجمون به المعتزلة ويروونه عنهم ، وكذلك المعتزلة يفعلون ، ولا يعلم قائله ، ولكن نسبه الأصفهاني إلى أبي الخطّاب الحنبلي ، راجع : المعتمد ١ : ٨٧ ، والمحصول ٢ : ١٦٠ ، والإبهاج ١ : ٥٤ ، وسلّم الوصول المطبوع مع نهاية السؤل ١ : ١٤١.
(٣) في ص ١٢٥.
(٤ و ٥) راجع تمهيد القواعد : ٥٢ ، القاعدة ٩.
(٦) المصدر : ٥٩ ، القاعدة ١٢.