مستلزم للمسبّب ، فتقييد وجوبه بوجوده يؤدّي إلى تقييد وجوب الشيء بوجوده وهو محال ؛ فلا يجوز أن يقال ـ مثلا ـ : « إذا اتّفق الصعود إلى السطح يجب الكون عليه » ، فلذا حكم بأنّ الأمر بشيء أمر بسببه دون شرطه ، وتفريقه بينهما في هذه الصورة ، لا أنّهما إذا كانا من مقدّمات الواجب المطلق يجب السبب دون الشرط ، كما نسب إليه الأكثر.
واحتجّ السيّد على ما ذهب إليه بأنّ الواجب على قسمين : مطلق ومقيّد ، والثابت بالأوامر مطلق الوجوب وهو غير الوجوب المطلق ؛ لأنّ الأوّل أعمّ من الثاني ، ولا دلالة للعامّ على الخاصّ ، فيحتمله والمقيّد ، فالمتيقّن وجوبه عند وجود المقدّمة ، وأمّا عند عدمها فموضع شكّ (١).
وجوابه : أنّ الأمر إذا ورد بشيء مطلقا ، فالظاهر كونه مطلوبا في جميع الحالات ، إلاّ إذا علم التقييد ، فالأوامر المطلقة تدلّ على الوجوب المطلق ، لا مطلق الوجوب ، ولذا إذا أمر السيّد عبده بالصعود إلى السطح ، لا يصحّ منه الاعتذار بأنّه لم يكلّفني نصب السلّم ، ولم يتّفق وجوده لي ، بل إن لم يصعد واعتذر بذلك مع القدرة على نصب السلّم ، يذمّه العقلاء. فكلّ واجب ورد به أمر وله مقدّمات ، فإن علم بالدليل تقييد وجوبه بمقدّمة منها ، يحكم بأنّه واجب مقيّد بالنسبة إليها ، وإن لم يعلم ذلك ، يحكم بكونه مطلقا بالنسبة إليها ، وهذا هو المعيار في ذلك.
إذا عرفت ذلك ظهر عليك أنّه لا خلاف يعتدّ به في ثبوت الوجوب العقلي لجميع مقدّمات الواجب المطلق في جميع الحالات ، إنّما الخلاف في الوجوب الشرعي لها. والحقّ ثبوته بأجمعها ؛ لوجوه :
منها : أنّا قد بيّنّا في بحث الحسن والقبح (٢) أنّ الوجوب والحرمة العقليّين يستلزمان الوجوب والحرمة الشرعيّين.
ومنها : أنّ الأحكام الشرعيّة منوطة بالمصالح ، فكلّ واجب يشتمل على مصلحة ،
__________________
(١) الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٨٤ و ٨٥.
(٢) تقدّم في ص ١٠٢ ـ ١٠٣.